فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ – الرعد 17

el-karamatt222

الناشر: الفقير لله والغني بفيضه ناجي الحازب آل فتله

 

 

 

 

 

 

 

الملصق

للتواصل

 

السنور

جرائم الأحتلال

أعمال شعرية

أعمال تشكيلية

المقالات

المستهل

مقالات عن الثورة السورية وعلاقاتها الضروريات
 

 


عبدالله بن محمد
طريقُ سقوطِ بشّار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله قاصم الجبارين وناصر المظلومين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين،وبعد،
يسيرُ آل الأسد بخطى ثابتة وبعناد لا مثيل له، نحو الهاوية، بما لم يكن لأحد من أكثر المتفائلين أن يتوقعه على هذا الشكل.وإذا كان النظامُ الأسديُّ سافلاً عن سافل، قد وُسم مرة، وبمرارة شديدة، أنه أحد أكثر الأنظمة الاستبدادية حظاً في العالم، بسبب توافق كل القوى الإقليمية والدولية على مدّه بأسباب الحياة، مهما ارتكب من أخطاء وخطايا حتى تجاه القوى التي تدعمه، فإنه قد أثبت أخيراً هذه المعادلة وبمصداقية عجيبة، بما يتلقاه من فُرَص ومُهَل، رغم سيل الصور المتواترة عن الفظاعات التي يرتكبها رجال أمنه وجنود كتائبه، وقد حوسب القذافي بقسوة على أقل منها بكثير، كماً لا نوعاً، في الأيام الأولى، ورُفع عنه الغطاء العربي بسرعة غير مسبوقة، وتولى مجلس الأمن قرار إعدام نظامه، تحت عنوان حماية المدنيين، وكُلّف حلف الأطلسي بتنفيذ القرار، بل بدأت الطائرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية، بقصف كتائب القذافي، قبل أن يتولى الحلف المهمة فعلاً، حتى لا يستفيد القذافي من أي فرصة ولو لأيام!
القذافي لا الأسد!
فما هو الفرق بين حالتي القذافي والأسد، والنظامان يستخدمان الوسائل نفسها، ويرتكبان الجرائم ذاتها ضد شعبيهما، والثورة السورية سلمية كما الثورة الليبية، بل إن صبر الأولى لا يقاس بصبر الثانية، حيث تدرّج الثوار الليبيون بعد أيام قليلة، في سلّم الصراع العنفي بتسارع حثيث، ليتصاعد بعد أسابيع ويصبح حرباً حقيقية، فيما الثوار السوريون، الذين تعرضوا للحملات العسكرية المنظمة، وما يتخللها من انتهاكات رهيبة لم تعد خافية على أحد في العالم، تمسكوا بالطابع السلمي، رغم سقوط آلاف الشهداء؟ ثمة فوارق أساسية بين سوريا وليبيا يتلمسها المحلّلون فيما يلي:

1-النفط: فليبيا بلد غني بالنفط وقليل السكان، ولهذا فإن مصالح الغرب وأوروبا خاصة، تدفع باتجاه دعم الثوار هنا، لضمان المصالح السابقة والراهنة وتحقيق المزيد منها، بعد إزالة نظام القذافي. فيما سوريا قليلة النفط كثيفة السكان، فلا مصالح اقتصادية تُبتغى من وراء دعم الثوار هناك، بل لن يأتي من التغيير سوى المزيد من الأعباء الاقتصادية على القوى الراعية للنظام الدولي، ومن القوى الإقليمية المساندة له.

2-إسرائيل: فليبيا بعيدة عن حدود إسرائيل، ولا خوف من تهديد أمنها، ولا فائدة تُرجى من بقاء القذافي أو عدمه، والخطر الوحيد الذي يمثله اهتزاز قاعدة حكم القذافي، ينبع من موقعه الجغرافي القريب من أوروبا، فالفوضى تأتي إليها بالإرهاب والهجرة غير القانونية، على مسافة كيلومترات قليلة من الضفة الشمالية للمتوسط.أما سوريا، فذات أهمية جيوسياسية دقيقة، وهي على تماس مع إسرائيل، ونظامها البعثي مؤتمَن على تجميد جبهة الجولان، وسجن الكتلة السنية العريضة في زنزانات الخوف والقمع، ولا بديل من الأسد حتى الآن في تأدية هذين الدوريْن تحديداً.
والسؤال المقلق في الغرب هو عن البديل هو الذي أخّر إعلان التخلي عن الأسد، ولو بالكلام فقط.

3-الموقع: تقع ليبيا في فراغ صحراوي بين كتلتين ديموغرافيتين كبريين، مصر شرقاً وتونس والجزائر غرباً، وهي ميدان حربي مثالي، يستهلك الطاقة النارية بسهولة دون أن يؤثر سلباً على دول الجوار. وبإمكان قوى الغرب ممارسة هوايتها في القصف الجوي، بما يشبه المناورات العسكرية المدفوعة الثمن سلفاً، والتي ستتبعها مرحلة إعادة الإعمار المُجزية، حيث لكل دولة مشارِكةٍ في إسقاط القذافي نصيب، أي تشبه العملية الأطلسية برمتها، ما كان يجري في فترات سابقة من تسليم المصانع المستوردة بالمفتاح، مع بعض الخبرة المحلية.

أما موقع سوريا فبالغ الحساسية، إذ يتوسط دولاً متفاوتة الحجم، لكنها تعني كثيراً للغرب، من العراق حيث المصالح الأمريكية الاستراتيجية، والأردن الفناء الخلفي للاستخبارات الأمريكية والبريطانية، ولبنان المحطة الدائمة لترويج منتجات الحضارة الغربية الفاسدة، (الأردن ولبنان من أهم دول الطوق أيضاً، لما يضمان من مئات آلاف الفلسطينيين) إلى تركيا القوة المركزية في الشرق كدولة منافسة موضوعياً لإيران الطامحة والطامعة، والعضو المعارض في حلف الأطلسي لتدخل مماثل في سوريا، والنموذج المدجَّن للديمقراطية العلمانية في الشرق المسلم. وإضافة إلى ذلك كله، ثمة رباط عضوي بين سوريا وإيران، وأعداد غير محدّدة من الإيرانيين وأتباعهم اللبنانيين، هم متمركزن في سوريا فعلاً أو هم مستعدون للتدخل علناً في لحظة الخطر الشديد[1]، وهذا ما يعيق أي تدخل أطلسي مشابه لما حدث في ليبيا.وعلى هذا، لا يمكن أن يقع التدخل العسكري مباشرة في الصراع الدائر بين آل الأسد والشعب السوري، كما أن الموقع الجغرافي لا يسمح بتحويل سوريا إلى ميدان قتالي، يزعزع الاستقرار حكماً في بلدان الجوار، إما بسبب مجاورة بعضها لإسرائيل، واحتضانها لكتل فلسطينية كبيرة، أو لوجود مشكلات مذهبية وعرقية في بعضها الآخر، ولها صلة نَسَب ومذهب بمكوّنات مجتمعية سورية.

الحائط المثقوب

لكن هذا لا يعني إطلاقاً أن طريق التغيير مسدود، أو أن دم الشهداء سيذهب هباء، كما لا يعني أن التغيير سيكون على طريقة تونس أو مصر، بأسلوب التسليم الظاهري للسلطة وبقائها بيد الجيوش إما من وراء ستار كما في تونس، أو مباشرة كما هو الحال في مصر ولو مؤقتاً. فسيناريو التغيير الأقرب هو سيناريو ليبيا، لا سيناريو اليمن، حتى لو انتشرت الفوضى احتمالاً، وانحسرت التظاهرات السلمية في اليمن خلف النزعات الانفصالية في الشمال والجنوب لاحقاً.
ففي سوريا كما في ليبيا، كتائب أمنية مدججة بالسلاح بكل أنواعه وصنوفه، تتبع النظام الحاكم، فيما الفرق النظامية الأخرى، مجرّد حشو استعراضي لتكثير السواد، أو أكياس رمل يختبئ وراءها المجرمون، فإذا تمرّدت لقيت جزاءها الميداني الفوري دون محاكمة أو مساءلة.
لكن ما حدث في سوريا، أن نقاط قوته المادية والمعنوية، اشتغلت ضده، وأنه هو من أطلق شرارة الثورة بسبب توتره العالي[2]، وأنه هو من مدّها بأسباب القوة والعزم والصبر بسبب أساليبه الفاشية النازية[3]، وأنه أثبت عجزاً كاملاً عن فهم الواقع، وعن ابتداع أساليب جديدة في تجاوز التحديات. أي باختصار شديد، لا يملك نهائياً أي قدرة على التكيف مع التغيرات، ويظنّ الأحمق بشار أن بإمكانه التعامل مع ثورة القرن الواحد والعشرين بأساليب القرن السالف، بل يقرأ في كتاب أبيه القديم، فيتبع التعليمات حرفاً بحرف ويحسب أنه على طريق الفوز، ولا يدري أنه يحفر قبره بيد أبيه!

1- كان أبوه حافظ وعمه رفعت يلعبان دوراً مسرحياً ثنائياً، وكأن أحدهما هو الخير والآخر هو الشر، وحين يقود أخوه حملات منهجية ضد المسلمين، منتهكاً الحرمات، ومروّعاً الآمنين، بسببٍ أو دونه، ينبري حافظ فيأخذ على أيدي أخيه رفعت دون أن يعاقبه فعلاً. وحين يرى الناس شرور رفعت، ويعقدون المقارنة، يرتمون في أحضان حافظ حتى يحميهم من أخيه، وهو في الواقع يصطادهم بشباك أخيه.فجاء بشار ليلعب الدور نفسه بينه وبين أخيه ماهر. هو يدّعي الفهم والتفهّم والرصانة والرزانة، فيما يمارس أخوه أبشع الفظائع على طريقة عمه رفعت. وكلما دارت الدوائر على مدينة ثائرة، استدعت الاستخبارات قسراً وجهاء المدينة المنكوبة بأبنائها، حتى يعقد الرئيس حواراً هادئاً معهم، فيزعم أنه لم يعرف ما حدث، وأنه لا يقبل به، وأنه حزين لما ارتكب، وأنه سيحقق في الانتهاكات، وهكذا دواليك. فهل من المعقول أن طبيب العيون لا يرى الفارق الشاسع بين تلك الفترة وهذه المرحلة؟
لقد ارتكب أبوه مجزرة كبرى في مدينة حماة ولمرة واحدة، فبنى مجده السياسي على الجماجم، ما بين شهيد ومعتقل ومفقود بعشرات الآلاف. أما في ظلال هذه الثورة الشاملة، فقد كرّر ابنه بشار حماة مصغّرة في كل مدينة، لاستعادة ذاكرة الرعب لدى الجيل القديم، وإعادة إنتاجه لدى أجيال الشباب الذين ولدوا بعدها ولا يعرفون عنها سوى الأقاصيص.

2- كان حافظ يعيش في زمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، ورغم أنه كان حليفاً وثيقاً للسوفيات إلا أنه كان في الوقت نفسه عميلاً للأمريكيين، فهو على الأقل، يمثل الجناح اليميني في حزب البعث، وأدخل الجناح اليساري الذي يمثله صلاح جديد في السجن. وعلى الأكثر، كان يدرك تماماً كما كان حال السادات، أن أمريكا تملك معظم أوراق المنطقة بخلاف الاتحاد السوفياتي، لذلك كان يستند إلى السوفيات ويتطلع بوجهه نحو الأمريكيين، ويزعم أنه بطل الصمود والتصدي. وهذا الموقع المتذبذب بين القطبين جعله يستفيد من لبنان كساحة تنفيس لمشكلات سوريا وأزماتها الاقتصادية والاجتماعية، فيما اتخذ من هذا البلد رهينة بكل ما فيه، وما يعنيه للغرب ولدول الخليج.
فلما جاء بشار، زاد على الطعام بهاراً فأفسده، في وقت لم يعد فيه سوى قوة عظمى وحيدة، فارتكب أخطاء قاتلة في لبنان ما اضطره إلى الخروج ذليلاً مدحوراً عام 2005. ثم كان الانفتاح عليه عام 2008، من طرف فرنسا والسعودية وتركيا ثم أمريكا، فازداد تكبراً وفجوراً، وعمىً على عمىً.وكان خطؤه الأخير، قراءته المغلوطة للثورات العربية، واعتقاده أنه بمأمن من غضب الناس. لذلك، ورغم أن النظام درس ما جرى في تونس ومصر وليبيا وما يجري في اليمن، واتخذ الاحتياطات الوقائية في حال انتشار روح الثورة، إلا أن شدة الحذر أوقعته في المحذور منه.

3-كان أبوه حافظ، في عصر الجدار الحديدي، وكانت الشعوب الواقعة تحت نفوذ المعسكر السوفياتي، أو في الدول التي تتشبه بالأساليب الشمولية، معزولة عن العالم الخارجي، والعكس صحيح. فلا يمكن لأحد أن يعلم حقاً ماذا يحدث خلف الجدران، ولا كانت الأنظمة تسمح لأحد بالوصول إلى أسرار الدولة كما تقول، حين كان توافر الخبز في الأفران يُصنّف ضمن المعلومات الحساسة.لذلك، حين ارتكب مجزرة حماة المروّعة عام 1982[4]، لم تتسرّب أخبارها إلا بعد أشهر، وكانت المعلومات مصفّاة ومقنّنة، فيما كان المطلوب أن تنتشر أخبارها كالنار في الهشيم وسط الناس حتى يخافوا ويعتبروا، علماً أن الاستخبارات الغربية كانت تعلم ماذا حدث، بوسائلها الخاصة ولم تحرّك ساكناً.والغريب، أن بشار لم يفهم بعد أن الزمن قد تبدّل، وأنه في عصر الفايسبوك والتويتر، لا يمكنه إخفاء شيء، فحتى لو كانت الاستخبارات المختلفة تعلم دائماً ماذا يجري، إلا أن انتشار الصوت والصورة، رغم أنف السلطة الغاشمة، يشكّل ضغطاً على القوى الداعمة له، أو المتسترة عليه.
ومن نافل القول إن المعركة الرئيسية تجري داخل الإعلام وبواسطته، وقد تفوقت الثورة على النظام في هذا المجال فحطّمته تحطيماً. ففضلاً عن أن أكاذيبه لا يصدّقها أحد، لضعفها البنيوي وتهاوي منطقها، فإن تسرّب الصور من رجال الأمن والجنود، وهم يرتكبون الجرائم الموصوفة، ضد سكان القرى والمدن الثائرين سلمياً[5]، يطرح سؤالاً محيراً: فإن كانت قد تسرّبت بواسطة منشقين عن الأجهزة الأمنية والفرق العسكرية، فمعنى هذا أن تفكك بنية النظام قد بلغ مرحلة متقدمة، وإن سُرّبت عمداً لإخافة الناس وردعهم عن التظاهر، انطلاقاً من أن بشار يقرأ حقاً في كتابه أبيه البائد، فتلك أقوى إشارة على أن بشاراً يسير على الطريق السريعة نحو السقوط المدوي، بغض النظر عن الكيفية.

الاحتمالات:

استناداً إلى ما سبق التنويه عنه، من ظروف ذاتية وموضوعية للوضع السوري المتفجر، فما هي احتمالات انتصار النظام أو سقوطه؟
كانت التقارير الغربية متشائمة حول إمكانية سقوط بشار منذ اندلاع الأزمة، وكان التركيز على نقطتين أساسيتين هما: عدم وجود البديل الذي يحفظ الاستقرار الإقليمي كما مارسه آل الأسد في العقود الماضية، وعدم تفكك الجيش الذي بدا متماسكاً خلف القيادة، بخلاف ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن. ثم تُرك الأسد في الأسابيع الأولى ليمارس القمع كما يحلو له فيما يشبه فترة سماح، ومع تأخره في الحسم، طلب مهلة تلو أخرى، فكان الغرب سخياً معه، لكن أمرين قلبا المعادلة:
أولاً: استمرار التظاهرات رغم الفظائع ومؤامرات الأقربين والأبعدين، فبدأت تتكشف الصور التي تلقي أحجاراً ثقيلة في الماء الراكد.
ثانياً: تسارع حالات الانشقاق في الجيش والأمن بما يتجاوز القدرة على تصفية المنشقين، كما حدث في حالات سابقة في درعا وحمص وتلكلخ.
والواقع الجديد، يجعل الغرب يعيد النظر في حمايته للنظام السوري، فما دام الاستقرار مهدّداً بسبب أساليب القمع الوحشي، فلم يعد بُدٌّ من تغيير المسار، لا سيما وأنّ ادعاءه بأن الأغلبية الصامتة هي معه بالضرورة يتهاوى مع اتساع التظاهرات جغرافياً، وازدياد المشاركين فيها طردياً[6]، ولعل أقوى إشارة على سقوط مناطق كاملة بيد الثوار، اضطرار الجيش لاستخدام الطوافات لمطاردة المتظاهرين، فهذا يعني عدم توافر قوى كافية على الأرض لمواجهة الثورة، وأن عملية التحلّل الذاتي تتسارع مع الوقت، والغرب حريص كما في كل الثورات، على وضع يده عليها لتوجيهها الوجهة التي يريد.
وهذا قد يؤدي إلى احتمالين:
ـ تشجيع قيادة عسكرية من الأقليات على التحرك لوضع حدّ لما يجري من سقوط أكيد، خوفاً على مصير هذه الأقليات المحسوبة على النظام، بعد الجرائم المصوّرة التي ارتكبها أتباعه.
ـ وإذا فشل هذا الخيار، وتمكن عصابة الأسد من إفشال أي تحرك مضاد داخل النواة الصلبة للنظام، فإن الاتجاه الأرجح هو قيام تركيا بتحرك وقائي على الحدود، بفرض منطقة عازلة بعمق كيلومترات معينة، كما جرى سابقاً في شمالي العراق.
فإذا ما تمّ الاحتمال الأول، فسيكون لقطع الطريق أمام تمرد عسكري واسع وسط الضباط والجنود السنة، قبل أن ينضج ويتبلور في هياكل منظمة، لأن ذلك سيعني نهاية الحقبة التي أطلقها الاحتلال الفرنسي عبر تقوية الأقليات في الجيش والشرطة.
أما إذا تدخلت تركيا عسكرياً، فسيكون تحت عناوين إنسانية لضبط حركة الأكراد في الشمال أولاً، وللضغط على النظام لإجراء التعديلات المطلوبة في بنيته ثانياً، والأمران قد يصبّان أخيراً في قيام بنغازي تركية في سوريا كانت تركيا نفسها قد عارضتها في ليبيا أولاً مخافة تقسيم البلاد واقعياً.

تمّ بحمد الله يوم السبت في 11 حزيران (يونيو) 2011م



اشارات

[1]- ألمح حسن نصر الله، إلى أنه مستعد لإعلان أي مشاركة لحزبه في معركة الشرف كما سماها وذلك في سياق نفيه الموارب لوجود عناصر من الحزب في سوريا إلى جانب رجال الأمن.

[2]- لم يكن للنظام البعثي أي مبرر في اعتقال أطفال درعا بسبب كتابة شعارات إسقاط النظام على الجدران، ولا أن يتعامل بصفاقة مع وفد شيوخ العشائر الذي طالب بإطلاق سراحهم، كما أن إطلاق الفرقة الرابعة من عنانها في محافظة درعا، لأمر يثير العجب.

[3]- منهج قمع الجماهير والاستخفاف بالأرواح والكرامات، وحالة الإنكار الإعلامي للضحايا المدنيين، واعتماد الدعاية السوداء تجاه الخصوم، والأكاذيب المركبة، زادت من غضب الجماهير المضطهدة، فالإلغاء المادي متوقع ولكن الإلغاء المعنوي أشد.

[4]- http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%...85%D8%A7%D8%A9

[5]- قام جنود الأسد الابن بتصوير حالات القمع المنهجي للمعتقلين في بانياس ودرعا وحمص، بل إن الأجهزة الأمنية سلمت جثث أطفال إلى أسرهم، وهي مشوهة بشكل فظيع، وثمة شرائط أخرى، تصوّر اغتصاب النساء على الطريقة الليبية، ولم يجرؤ أحد على الحديث عنها إلا لماماً، وكان حديث أردوغان أخيراً عن الجنود الواقفين على جثث النساء، أكثر الإشارات تصريحاً عما يجري، في صمت مطبق للجامعة العربية التي عقدت صفقة مع سوريا من أجل رفع الغطاء عن القذافي.

[6]- مع تحرك ريف دمشق الذي يدل على حراك المدينة نفسها، فإن تحرك ريف حلب يصب في الاتجاه نفسه، مع إشارات إلى أن مرجل الثورة قد اقترب من هذه المدينة، وأن مؤشرات الانهيار الاقتصادي الوشيك، تنبئ بتغيرات سريعة.






مؤامرة إجهاض الثورة السورية
 

بسم الله الواحد القهار
والصلاة والسلام على الضحوك القتال
تجاوز قطار الثورات العربية العديد من العقبات والمطبات الإصطناعية المزروعة بعناية على جنبات الطريق ، وذلك بفضل الله تعالى ثم بفضل وعي الشارع العربي الذي تكاتف فيه الصغير والكبير والقريب والبعيد لكشف وإحباط أي محاولة لوأد خروج الشعوب العربية من نفق الأنظمة الحاكمة المظلم ! وسوريا كغيرها من البلدان التي ضربها زلزال الثورات العربية العنيف إلا أن إنطلاق الثورات في تونس فمصر ثم ليبيا قبل اشتعالها في سوريا جعلت النظام السوري ينعم بفاصل زمني لا يقدر بثمن مكنه من استخلاص أهم الدروس السابقة وأخطاء الأنظمة العربية في معالجتها ، فقام النظام كما يقال في الخليج بتجهيز الدواء قبل الفلعة !

وقد كنت أرقب تسلسل الإجراءات الوقائية التي اتبعها النظام السوري في تأمين نفسه فوجدت أنه بدأ قبل كل شيء بتأمين الجبهة الخارجية ومن أجل ذلك أبحرت بارجتين تتبعان لسلاح البحرية الإيراني وعبرتا قناة السويس في سابقة غريبة ثم تمركزتا قبالة السواحل السورية كرسالة واضحة بأن إيران وسوريا شيء واحد وإن كان هناك من يخطط لفرض حصار بحري على النظام السوري كورقة ضغط إن تفاقمت الأوضاع في الداخل فعليه حصار إيران أيضا ! ثم قام النظام السوري بتأييد مجلس التعاون الخليجي في دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين مقابل كبح جماح أي محاولة لإستخدام الجامعة العربية في إدانة الجرائم الوحشية المزمع القيام بها لقمع الثورة السورية ، أما على صعيد الجبهة الداخلية فقد شملت الإجراءات الوقائية نقل مستودعات الأسلحة الرئيسية إلى مخازن سرية وتحت إشراف عدد من المخلصين للنظام حتى لا يجد قادة الجيش من الذخيرة إلا ما يكاد يكفي للمهمات التي توكل إليهم في قمع الثورة فقط ! وهذه الخطوة تأتي كظمان أمان لإجهاض أي محاولة للإنشقاق في الجيش لأن قادة الجيش يعلمون جيدا أن أسلحتهم بلا ذخيرة كافية .. وأعتقد أن النظام اتبع أسلوبا أمنيا يضع فيه العائلات التي ينتمي إليها المسؤولين والدبلوماسيين في الخارج تحت الرصد والتهديد حتى لا يفكر أحدهم بتقديم إستقالته احتجاجا على قمع الثورة كما فعل بعض الدبلوماسيين التابعين للبعثات والسفارات الليبية واليمنية ..
ثم حدد النظام أدوات القمع اللازمة ووزع الأدوار بينها ، فالشبيحة يثيرون الرعب والخراب في أي منطقة تخرج فيها مظاهرات والمخابرات والجيش يطلقون النار على جموع - المندسين - وقناصة حزب الله يطلقون النار على ظهور الجيش لتلصق التهمة بالسلفيين وهكذا يكتمل مشهد تركيع الثورة .. ولكن الأحداث أثبتت أن أهل الشام أكبر من ذلك بكثير ... ومن أجل ذلك لجأ النظام إلى شن الحملات العسكرية الضخمة بالألوية المدرعة لعزل وحصار المدن التي تنشط فيها المظاهرات وفي اعتقادي أن هذه الورقة هي الأخيرة من بين أوراق النظام في قمع الثورة بعد أن فشلت فقاعات الإصلاح ومحاولات عزل الأكراد وبرامج تشويه الثورة في إيقاف قطار الثورة .. فإن فشلت هذه الحملات العسكرية في كسر حدة الثورة فما هي خيارات النظام القادمة في ظل تزايد السخط المحلي والإقليمي - أقصد هنا الشعبي فقط- والدولي ضد ممارسات النظام الدموية .. وفي ظل تخلي تركيا عن دعم النظام وتبنيها الغير معلن للمعارضة السورية في مؤتمر أنطاليا الأخير كما فعلت قطر مع المعارضة الليبية .. وفي ظل تزايد وتيرة الإجراءات المتخذة ضد النظام والتي بدأت بتجميد بعض الأرصدة وإدراج بعض الأسماء على لائحة المطلوبين والتلويح بأشياء أخرى !!
[مؤامرة إجهاض الثورة] جاءت الإجابة على هذا التساؤل الخطير بعد أحداث الجولان الأولى والثانية والتي خرج فيها مئات المتظاهرين في محاولة لعبور الحدود مع الجانب الإسرائيلي في مشهد لم يعهد من قبل ! والتي كتب لي الأخ الحبيب أسدالجهاد2 معلقا عليها بالآتي :

[ النظام السوري أراه يريد جر اليهود لمعركة وهميّة - وربما حقيقية - يستفيد منها بطرق كثيرة ، فزواله قد قرب ولن يضيره فتح حرب يهلك فيها جنوده وربّما يبقى في منصبه ..
- فمع السماح لبعض المناوشات بين المتسلّلين للجولان - وليس كلّهم عملاء بل فيهم من هو على نيّاته - وردود الأفعال بين الجانبين ، قد يرتفع صوت طبول الحرب بين الطرفين ..
- دخول النظام السوري للحرب ضد اليهود سيخيف أمريكا ، وستبحث عن حل للمشكلة هذه ، وأحد هذه الحلول الجلوس على طاولة المفاوضات مع السوريين ، فتعقد صفقات بينهما ، ومع أن هذا الخيار لتحقيقه تحفّه المخاطر ، إلا ان النظام السوري ربما يصل لمرحلة لا يجد بداً منها ، كما يقال : أنا الغريق لا أخشى من البلل ..
- سيستفيد في الداخل في إخماد الثورة ، حيث سيظهر للعالم في عرف الناس بأن من يعمل أعمال الثوار في وقت الحرب فهو خائن ، وهذا الوصف سيجد له قبولاً - عرفياً - فيقمعهم بأشد ما يستطيع ..
- سيكون الثوار في حيرة وانقسام ، إما أن يواصلوا ثورتهم فيوصموا بالخيانة في الداخل والخارج ، وإما ترك الثورة وهو ما يعني هلاكهم في الواقع .. ] وأنا أؤيد أسدالجهاد2 فيما ذهب إليه فمحاولة إرجاع مناخ الحرب لهذه المنطقة هو المخرج الوحيد المتبقي للنظام السوري والنظام نفسه قد لوح عن طريق مخلوف بأن استقرار اسرائيل يرتبط بإستقرار سوريا !

وتاريخ المنطقة يشهد بأن اسرائيل لا تتردد في مساعدة وإنقاذ الأنظمة الأنسب لها كما فعلت في 1982 عندما اجتاحت جنوب لبنان ووصلت إلى بيروب لتأمين تعيين بشير الجميل في منصب الرئيس وكما فعلت في أعقاب أيلول الأسود عندما أباد الملك حسين الفصائل الفلسطينية التي كانت تنازعه السلطة في الأردن فحشدت سوريا قواتها لإنقاذ الفصائل والفدائيين فوقفت اسرائيل لها بالمرصاد بعد أن طلب الملك حسين تدخل الطيران الإسرائيلي لحمايته ! واليهود قوم لا يتهاونون فيما يتعلق بالأمن القومي وعندما نتحدث عن الجولان فإننا نتحدث عن شيء لا يقبل اليهود المساس به أو التفاوض عليه فنظرية الدفاع الإستراتيجي لإسرائيل والتي وضعها موشي ديان ورفاقه قبيل حرب 1967 قامت على إحتلال أراضي تعطي عمق دفاعي يستطيع اليهود من خلاله الدفاع عن دويلتهم ولذلك قاموا باحتلال الجولان والضفة الغربية وسيناء ونتيجة لحرب 1973 انسحبوا من سيناء مقابل إخلائها عسكريا من القوات المصرية وفق تراتيب أمنية محددة تتضمن مراكز مراقبة وقوات دولية ثم أعطوا السلطة الفلسطينية حق الحكم الذاتي في الضفة بدون تشكيل جيش والإكتفاء بالأجهزة الأمنية إلا أنهم لم يقبلوا التفاوض على الجولان بتاتا لأن الجولان عبارة عن مرتفعات مطلة على منطقة الجليل الأعلى حيث أكبر معدل كثافة سكانية في اسرائيل وقد شنت اسرائيل ثلاثة حروب في السابق لحماية هذه المنطقة الحساسة من التهديدات الآتية من الحدود اللبنانية أما إن أتى التهديد من مرتفعات الجولان فالأمر أسوأ بكثير ويكفي لإرباك هذه المنطقة وإحداث هجرات جماعية منها أن يتسلل الفدائيين إلى المرتفعات ليطلقوا قذائف الهاون والكاتيوشا فتسقط فوق رؤوس اليهود مباشرة ! وإسرائيل لا تستطيع ضبط عمليات التسلل عبر الشريط الفاصل ولكنها تعتمد على النظام السوري في ذلك وتعمد إلى معاقبته إن بدى منه أي تقصير - ومن هنا نفهم كلام مخلوف السابق - فإن انهار النظام السوري فعلى اسرائيل أن تتوقع أمرين لا ثالث لهما إما أن يأتي نظام سوري جديد يستجيب لمطالب الثورة ويقوم بإعداد الجيش والبلد لإستعادة الجولان وإما أن تنتظر القذائف لتسقط فوق مستوطنات الجليل فتبدأ عمليات النزوح الجماعي ويتدهور الإقتصاد وغيره .. وكلا الأمرين لا يمكن قبولهما ولذلك كتبت هآرتس عنوانها الشهير في بداية الثورة السورية [ إسرائيل تصلي من أجل الأسد ] والعقل يقول أن النظام السوري لا يمكن أن يطلب من إسرائيل الدخول معه في حرب هكذا وإنما يمكن أن يجرها إليه وهذه الخطوة مناسبة لإسرائيل في رد العدوان وتحقق لها عدة مكاسب في آن واحد كالحفاظ على النظام السوري وتقليم أظافره بتدمير آلته العسكرية وهو مطلب قديم جديد للقادة اليهود والذي لا يقل عن ذلك أهمية أن القضاء على القوة العسكرية السورية يعني القضاء على حزب الله في لبنان لأنه الحاظن الإستراتيجي له ويعني إضعاف الحلف الإيراني وغيرها من المكاسب وهذه الحرب إن إشتعلت بهذا الشكل فستكون أول حرب يخوضها طرف ضد طرف آخر لا ليقضي عليه بل ليحافظ على بقائه !! إلا أن تداعيات هذه الحرب قد تصل شرارتها إلى الخليج فإيران لن تسمح بحرب مدمرة لحليف حيوي مثل سوريا وقد ترى أنه من المناسب توسيع دائرة الصراع في النقطة التي ترى القيادة السورية ضرورة التدخل الإيراني لإيقاف الحرب فهؤلاء جميعا قد تتوافق خطوطهم السياسية إلا أنهم لا يثقون ببعض وهذا ما يجعل كل طرف يحتفظ بخطوط رجعة !
وقد أطلت الحديث عن احتمالات هذه الحرب لأني قد تلقيت مؤخرا معلومات تؤكد بأن حزب الله سيقوم بقصف اسرائيل إن ضغطت أمريكا لإزاحة الرئيس السوري ! وهذه إشارة خطيرة تؤكد نية الذهاب إلى الحرب كمخرج من أزمة الثورة !
والحقيقة أن الدخول في سيناريو حرب مع اليهود في هذا التوقيت سيعطي نظام بشار شرعية وجماهيرية في الأوساط الشعبية والإسلامية وسيظهر وكأنه مدافع حقيقي عن الفلسطينيين ! وسيظهر خصوم الثورة وكأنهم بالفعل مندسين !! وهذا ما يجب تداركه بالنشر الموسع لأبعاد هذا المخطط حتى نفوت على النظام فرصته الأخيرة في الحياة !

9 رجب1432


الجهاد على أرض الشام .. كيف ومتى ولماذا ؟

 بسم الله الواحد القهار
 والصلاة والسلام على الضحوك القتال

 في ذروة الجهاد في بلاد الرافدين أصيب أحد قادة المجاهدين ويدعى "أبوالأفغان" فأدخل إلى سوريا للعلاج وبعد أن تماثل للشفاء عاد مرة أخرى وأخذ يتحدث عن رحلته العلاجية في ربوع الشام ، وبما أنه رجل عسكري ومن طراز فريد فلم يستطع إخفاء إعجابه الشديد بالمسرح الشامي .. فالتضاريس الجبلية والغابات وشبكات الأنهار الفرعية وتوزيع وانتشار القرى بالشكل الذي يمنع من الحصارات المميتة كلها عوامل مساعدة في حروب العصابات وكلها جعلته يتمنى أن لو تشتعل جذوة الجهاد في هذه البقعة الإستراتيجية من العالم .. فهل ستحقق أمنية ذلك القائد في ظل ظروف الثورات العربية الراهنة ..
 قبل الحديث عن إمكانية ذلك أود التطرق إلى مسار الأحداث في المعادلة الشامية الآن ، فأي مسرح للعمليات العسكرية يجب أن يدخل له من بابين أولهما الفهم السياسي الصحيح لمجريات الأمور على الساحة وثانيهما تنظيم القوة العسكرية التي يمكن العمل من خلالها بفعالية . والحقيقة أن الثورات العربية قد أخذت بعدا مغاير تماما لما كانت عليه في البداية فالشعوب التي اقتبست الأساليب السلمية في إسقاط الأنظمة من ثورتي تونس ومصر جوبهت بأساليب اقتبست العنف الشديد لدفع الناس لحمل السلاح وعسكرة الثورة كما حدث في ليبيا ، وعسكرة الثورة هذه هي بطاقة الدعوة التي كنا ننتظرها كمجاهدين للدخول على خط الثورات العربية ! فالحرب التي فرضت على الثوار في ليبيا أدت إلى تحييد فئات كثيرة من الشعب من غير القادرين على حمل السلاح وأبقتهم خارج اللعبة لأن النزاع تحول من هتافات واعتصامات إلى مدافع وهاونات ولكل منهما رجال وأبطال ! والوضع في الشام قد يذهب في هذا الإتجاه إلا أن النظام قد عمل حسابه لذلك فأحكم حفظ المعسكرات وهذا يحرم الشعب من السلاح وأحكم حفظ مخازن الذخيرة وهذا يحرم الجيش من إمكانية الإنشقاق ! وفي ظل هذه الصورة فلن تكون هناك قدرة على فتح جبهة داخلية بشكل علني على غرار المناطق التي توفر فيها السلاح فتحررت في شرق ليبيا كبنغازي ودرنة والبيضاء وغيرها ، والموقف العام يقول أن الدول المحيطة بسوريا ستلتزم الحياد مهما كلف الأمر وروسيا ستلتزم الوقوف ضد التحركات السياسية التي تستهدف حليفتها الوحيدة في المنطقة وإيران ستلتزم الدفاع عنها والدخول كطرف في أي حرب قادمة والدول العظمى لا تجد مصالح عظمى في سوريا كي تتدخل عسكريا كما هو الحال في نفظ ليبيا وستكتفي بالعقوبات والملاحقات القانونية وقد تتطور الإجراءات لتصل إلى فرض الحظر الجوي إلا أن الأمور لن تتعدى ذلك ! وفي ظل الوضع الداخلي المحروم من فرص اقتناء السلاح والوضع الخارجي الهش فلن يكون هناك وضع مساعد لعسكرة الثورة إلا في حالة دخول المنطقة في حرب وفوضى وهو سيناريو قد لاحت ملامحه - كما بينت في مقالي السابق - إلا أن ذلك لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي في ظل هذه المذابح اليومية .. فماذا يمكن أن نفعل وكيف نفعله ومتى ؟
 إستراتيجية التحرك جاء أحد العلماء إلى المجاهد عدنان عقلة إبان الجهاد السوري في الثمانينات فقال له : ما هي استراتيجيتكم يا إبني ؟ فرد عليه عدنان بأنه لا يملك استراتيجية في الوقت الحالي وإنما هو قتال .. فقال له الشيخ : ألزمكم بشيء ؟ أي تحتاجونني في شيء ؟ فقال عدنان : لا ، فرحل الشيخ إلى السعودية فارا بنفسه ودينه من بطش النظام النصيري ..
 إن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تدخل في أمر لا تدري أين نهايته والأسوأ من ذلك أن تدخل الناس معك فيه !
وعندما نتحدث عن الجهاد فإننا نتحدث عن الحرب والحرب تحتاج إلى خطة والخطة نفسها تحتاج إلى مراحل ومتطلبات حسب نوع الحرب وطبيعتها وكل ذلك من أجل تحقيق هدف معين وهذا الهدف إما يكون تكتيكي أو استراتيجي وهذا يختلف باختلاف الموقع والمعطيات فهناك مسارح حرب يكون الهدف منها إضعاف العدو وأخرى يكون الهدف منها هزيمته والأولى مكملة للثانية كما حدث في المسارح التي خاضت فيها الجيوش الحرب العالمية الأولى والثانية وهذا لا يبعد عن حربنا الآن مع الحلف الصهيوصليبي فهناك مسارح الهدف منها الإثخان في العدو وتشمل خريطة مصالح الأعداء حول العالم وهناك جبهات الهدف منها التمكين والسيطرة على الأرض وإقامة أنظمة حكم فيها كما في جبهة أفغانستان واليمن والصومال والشيشان ، وجبهات الإثخان تساعد على إضعاف الحلف الصهيوصليبي وتفتيته وهذا يساعد بدوره على دفع عجلة الضغط العسكري في جبهات التمكين وهذا هو وجه الإرتباط بين النوعين ..
 والشام من الناحية الجغرافية العسكرية والجغرافية البشرية مهيأة لأن تكون منطقة وجبهة تمكين بعون الله لأسباب يطول شرحها ولذلك يجب أن توضع الإستراتيجية على هذا الأساس وأن تتبع التكتيكات المناسبة لبلوغ ذلك وحتى نخرج من دائرة التنظير أقول وبالله التوفيق
 إن أول ما يجب علينا أن نبدأ به هو وضع الإعتبارات العامة لتحركاتنا العسكرية في كل مرحلة وهو ما يشبه [ قواعد الإشتباك ] في الجيوش النظامية وسأكتفي بمبدأين في المرحلة الأولى ، الأول : هو ألا نقطع الطريق على استمرار الثورة السلمية وألا نتسبب في ذلك حتى لا نتهم بإفساد الثورة ، الثاني : ألا ندخل في مواجهة مميتة وألا نتسبب في ذلك ! أما استراتيجية التحرك العسكري فيمكن أن تنقسم لثلاثة مراحل [ البناء - القتال - التمكين ] وهي كالآتي :

 أولا : مرحلة البناء

 تعتمد هذه المرحلة على السرية في كل شيء ، وترفع شعار " البناء من خلال المعركة " بحيث يكون الشغل الشاغل للمجاهدين يتركز في تدريب وإعداد الكوادر العسكرية وبناء شبكات الرصد وتشييد البنية التحتية للمرحلة القادمة والتي تتطلب إمتلاك وتخزين كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر ، ويمكن تأمين ذلك عن طريق تجار السلاح وشبكات التهريب - ولكن لا يمكن الوثوق بهم الآن - أو من خلال الإغارة على الأرتال العسكرية أي أن الهدف الرئيسي لعملياتنا العسكرية في هذه المرحلة هو الحصول على السلاح من يد العدو - ومن يرجع إلى يوميات الجهاد السوري في الثمانينات يجد أن آلاف السوريين كانوا يريدون الإنضمام للمجاهدين إلا أن المجاهدين لم يكن لديهم في وقتها السلاح الكافي فضاعت من أيديهم فرصة ثمينة لاستثمار تلك الطاقات الهائلة - ولذلك كان أول عمل عسكري قام به المجاهدون في اليمن بعد اندلاع الثورة هناك وقبل سيطرتهم على [أبين] هو الإستيلاء على مصنع ومخزن للذخيرة ، لأن الحرب لا قوام لها بلا سلاح وذخيرة وأي طرف يفقد السلاح أو تنفذ ذخيرته يخرج من المعركة فورا . ومن المهم في هذه الفترة أن نرتب بعض الإختراقات اللازمة في أجهزة العدو العسكرية والأمنية فالمتعاطفين كثر وخاصة في مناخ الثورة الحالي والذي ستصلنا فيه معلومات مهمة من مختلف المستويات ويمكن مراجعة ما كتبته في [ حرب العقول ] لمعرفة متطلبات العمل التجسسي ، وتنتهي هذه المرحلة بمجرد بناء الخلايا العسكرية والإستخباراته والتنسيقية والإعلامية والطبية اللازمة للمرحلة التالية .

 ثانيا : مرحلة القتال

 تبدأ هذه المرحلة بالتزامن مع ضعف الشعور بجدوى المظاهرات السلمية ويرجع تقدير ذلك للقيادة ، فعندما يدرك الناس عدم جدوى المشروع السلمي في إسقاط النظام نبدأ الإعلان عن مشروعنا المسلح لإسقاطه ، ومن المهم هنا أن نبرمج جميع تحركاتنا العسكرية والسياسية والإعلامية لحشد الشعب والأمة خلف المجاهدين والخيار المسلح حتى نستفيد من الدعم الشعبي والعربي والإسلامي في تغطية تكاليف ومتطلبات العمل العسكري ، والذي يجب أن نراعي فيه المبادئ العامة لحروب العصابات - يمكن الرجوع لمؤلفات أبي مصعب السوري فك الله أسره في هذا الشأن فهو خير من تكلم في ذلك - ففي الجانب العسكري مثلا يجب أن نخرج إلى الناس بإسم ملائم للمرحلة و مفهوم للعامة كمثل "كتائب مروان حديد " فالشهيد البطل مروان حديد -نحسبه كذلك- رمز من رموز الجهاد ضد النظام النصيري وله ديوان شعر وقصص يمكن تحريض الناس بها.. إذا فنحن امتداد له ! كما فعل بعض ثوار ليبيا عندما اختاروا اسم " كتيبة عمر المختار " وأنا هنا لا أريد التحدث عن التكتيكات التي يجب اتباعها لأنها مشروحة بإسهاب في نظريات حروب العصابات ولكن أود أن أشير إلى أننا نواجه عدو ضعيف من الناحية التقنية ولا يستخدم تكنولوجيا أو أساليب متقدمة في الحرب على عكس ما واجهناه مع الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق وهذا من شأنه أن يعطينا مساحة أكبر من حرية العمل فإن أضفنا إلى ذلك هزالة الآلة العسكرية للجيش السوري وضعف الروح المعنوية للجنود الذين استشرى بينهم داء الهرب بعد جرائم النظام الأخيرة فستكون فرصنا أكبر في اجتياز هذه المرحلة بنجاح ، وأعتقد أن المعركة المناسبة ضد الجيش السوري هي التي تؤدي إلى تفكيكه وليس إلى هزيمته لأن الثانية مشوارها طويل أما الأولى فهي تستهدف نفسية الجندي الذي لم يحسم أمره بعد فهم السواد الأعظم في الجيش السوري فهؤلاء الجنود يخافون من بطش النظام بهم إن تركوا الخدمة في الجيش ويكفي أن نبطش بهم نحن أيضا حتى يتأكدوا أن الموت الذي يفرون منه فإنه ملاقيهم وعندها فقط سيتخذون القرار الصحيح ويبدأون في الهرب والتاريخ العسكري غني بنماذج فريدة من الحروب النفسية التي أغنت المنتصرين عن خوض أي معارك إضافية لتحقيق النصر ، ومن أجل ذلك أقترح أن تقسم مناطق سوريا إلى مناطق ضغط ومناطق رعب ، نضع في الأولى ثقل العمليات العسكرية ونعتمد في الثانية على ثقافة الكواتم والعبوات اللاصقة لملاحقة كبار المجرمين في المدن التي تشتد فيها قبضة الأمن - في هذا الجو من الحروب يتركز الأمن في المدن الكبيرة ويضعف بشدة على الأطراف - وهكذا تكون جميع شرائح العدو في متناول اليد .
 وقد يقول قائل أن سخونة المعارك قد تؤدي إلى حملات عسكرية ضخمة تؤذي الأهالي وتهلك الحرث والنسل وأقول أن هذا الإحتمال وارد .. ولم يقل أحد بأننا ذاهبين في نزهة أو أن هناك حرب لطيفة وأخرى غير مؤذية !! ولذلك يجب أن تكون العقيدة القتالية عند المجاهدين واضحة بأننا ندافع و نقاتل نظام مارس القتل والتعذيب والترويع وتعطيل الشرع والتلاعب بأعراض المسلمين منذ أكثر من 30 عام ومن الغباء أن يترك قتاله والثأر منه بعد أن هيأ الله أسباب ذلك ! وقد أثرت هذه النقطة حتى لا نتأثر بأي دعاوى تخرج لإيقاف إطلاق النار تحت أي ذريعة ولأي سبب كان سواء كانت تلك الدعاوى من بعض الأهالي المتضررين أو من أصحاب المصالح المتعطلة أو من الأحزاب السياسية المعارضة والتاريخ يشهد بأنه لم توجد حرب راعت مصالح المحيطين بها .. إنما هو التشريد والقتل والأسر والدمار حتى ينتصر طرف على آخر وعندها فقط يمكن تعويض من لحقه الضرر بما يلزم ..
 وقد أردت أن تتميز بداية هذه المرحلة بالسخونة الشديدة لغرض تكتيكي مهم وهو جر العدو لإستخدام المقاتلات الجوية في هجماته المضادة علينا وهو أمر سيحرص النظام على ألا يقع فيه حتى لا يفرض عليه مجلس الأمن [ منطقة حظر طيران ] كما فعل في البوسنة وكوسوفا والعراق وليبيا مؤخرا ، فإن نجحنا في حرمانه من سلاح الجو أو أثرنا عنده هذه المخاوف كي لا يستخدمه بفعالية فعندها نكون قد حيدنا ذراع مهم من أذرعة الجيش السوري وستكون المعركة أكثر تكافئا من ناحية الأسلحة والأسلحة المضادة مثلما حدث في البوسنة والهرسك عندما فرض حظر الطيران على ساحة الحرب فأصبح المجاهدون يتعاملون مع الجيش الصربي معاملة الند للند ! ويفترض في نهاية هذه المرحلة أن تكون التشكيلات المقاتلة قد استوعبت العمل على نطاقات أوسع وبأعداد أكبر وبشكل جماعي لترتقي إلى مستوى تشكيلات شبه نظامية وهي خطوة ضرورية للإنتقال للمرحلة التالية ..

 ثالثا : مرحلة التمكين
 

وهي المرحلة التي تقدر فيها القيادة أن العدو على وشك الإنهيار العسكري في إقليم معين - أفغانستان واليمن تعيش هذه المرحلة الآن - وهذا الإقليم كنا قد ركزنا عليه ضغط العمليات العسكرية منذ بداية الحرب بناء على إختيار مسبق لأفضلية الموقع جغرافيا وبشريا ويمكن أن نقوم بهذه الخطوة بعد أن نعمل دراسة شاملة لأهم الخبرات الإدارية التي تتطلبها إدارة المرافق والخدمات الأساسية في الإقليم أو المحافظة ثم نتوكل على الله عزوجل ونبدأ بعمليات الفتح والسيطرة على المناطق بعمليات خاطفة ومتزامنة تنتهي بتطهير الإقليم من بقايا النظام السابق ونشرع بعد ذلك بتعيين مجلس حكم محلي لإدارة شؤون الإقليم وهذه هي أول خطوة في بناء أرضية الدولة الجديدة التي ستتخذ من هذا الإقليم قاعدة للتدريب والتموين ونموذج لفرض الأمن والنظام والعدل حتى تتسامع بذلك بقية المحافظات والأقاليم فنفتح بذلك قلوبهم قبل أن ننطلق لفتح أراضيهم .

 بقي أن أقول أن منطقة الشام تنتظرها أحداث عظيمة وسواء دخلت المنطقة في حرب أو حدث إنشقاق في الجيش أو حصلت فوضى مسلحة فهذا لا يغير من أن التغيير قادم وأن ما يجب علينا فعله هو أن نمتطي الموجة أيا كانت ثم نبدأ ما خططنا له فالثورات العربية قد أعطتنا المناخ الثوري الذي طالما حلمنا به ولم يبقى إلا أن نري الله من أنفسنا ما يحب .
 وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

10 رجب 1432