فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ – الرعد 17

el-karamatt222

الناشر: الفقير لله والغني بفيضه ناجي الحازب آل فتله

 

 

 

 

 

 

 

الملصق

للتواصل

 

السنور

جرائم الأحتلال

أعمال شعرية

أعمال تشكيلية

المقالات

المستهل



المؤتمر الصحفي لمجلس شورى دولة العراق الإسلامية
مع نخبة من الإعلاميين الجهاديين

 


بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكر لكم دعوتكم الكريمة وثقتكم وحسن ظنّكم، وأسأل الله تعالى لنا ولكم الإعانة والتّسديد, وأن يجعل هذا اللّقاء مباركاً طيباً نافعاً..
أبدأ الكلام عن الملحمة التي تُخاضُ هذه الأيّام في ليبيا بتحيّة أهلنا المسلمين الأبطال هناك، والذين لم يفاجئوا الغرب فحسْب ببسالتهم ويقينهم وإقدامهم، وإنّما فاجؤوا الكثير من المسلمين أنفسهم والذين ظنّوا أنّ كيد الطّواغيت ومكرهم في اللّيل والنّهار غيّب إرادة هذا الشّعب وقتل عزيمته وأدخله في مواتٍ أو سُباتٍ لا نهاية منظورة له، فياللّه كم أجرم طاغوت ليبيا ومنع عن الأمّة خير هذا الشّعب الأصيل المجاهد الذي لم تنحرف فطرته, وضرب مثالاً رائعاً في التّضحية والفداء والصّبر..
وفي نفس الوقت فإنّني من موقع المُشفق النّاصح أقول لإخوتي وأبنائي وآبائي في بنغازي ومِصراتة والزّاوية وأجدابيا وطبرق وطرابلس وغيرها من مدن ليبيا الحبيبة: حذارِ حذارِ ممّا يُدبّر لكم ويُحاكُ في ليلٍ لجهادكم المُبارك الذي صنعتموه أنتم بأيديكم ورويتموه بدمائكم، فالتّحالف الغربي الذي بدأ حملته لم يتحرّك ساكِنُه ويرعد أنفُه إلا بعد أن تيقّن تماماً أنّ السّد الذي أمّن لهم حدود المتوسّط الجنوبيّة قد آن أوانُ انهياره وهو لا محالة زائل، وأذهله سمْتُ الإسلام الذي أنار وجوهكم المتوضئة, والسّلاح الذي توفّر في أيديكم وزيّن أجسامكم، وأرعبه انعدام بديل جاهز مصنوعٍ على عَينه للنظام المتعفّن المُتهاوي في طرابلس كما توفّر في تونس والقاهرة..
فهذا الحِلف أيها الأحبة والذي يزعُم أنه يدفعُ عنكم عصابات القذّافي المجرمة ويذرف على سكّان بنغازي الدّموع، هو نفسه الذي قتل من أهلكم في العراق بالجوع والمرض -وتحت نفس الذّرائع- ما يزيد على كلّ سكّان بنغازي اليوم، وهو نفس الحلف الذي لا يتردّد اليوم وفي ساعته هذه وبنفس هذه الطّائرات والصّواريخ من تدمير بيوت المسلمين على من فيها من النساء والأطفال والشّيوخ في أفغانستان وباكستان والعراق لمجرّد الشّك بوجود مجاهدٍ تحت سقفها، وقبل ذلك؛ هو نفس الحلف الذي يمدّ اليهود المُجرمين بأسباب الحياة والقوّة التي اغتصبوا بها قُدسكم وأرض أهلكم في فلسطين وأذاقوهم بها ألوان العذاب وصنوفه..
وكيف يُظنّ بمن ضاق ذرعاً بالعفاف وهو ينتشر في أوروبّا فسنّ القوانين التي تمنع النّقاب وتُحارب الحجاب أن يُدافع عن أعراض أخواتنا المسلمات في ليبيا ويحفظ عفافهنّ!.. وكيف يُظنّ بمن جعل من نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وسلّم مادّة للطّعن والاستهزاء في الصحافة أن يقاتل دفاعاً عن أبناء وأتباع محمّد صلى الله عليه وسلّم!..
هؤلاء -عليهم لعائن الله- ما جاؤوا ببوارجهم وطائراتهم إلا ليضمنوا أنّ الذي سيستلم الرّاية بعد القذّافي الخَرِف قذّافيٌّ آخر بوجهٍ أكثر قبولاً وأقدر على الاستمرار، لكن بعد أن يجرّدوا ليبيا من كلّ أسباب القوّة الاقتصاديّة والعسكريّة كما فعلوا مع نظام البعث في العراق، فيفرضوا وصايتهم عليها ويُسلّطوا عليكم فيها "كرزاياً" جديداً يسبّحُ بحمد أوليائه ولا يخرجُ عن أمرهم، ويضمن لماكنة أوروبا الصّناعيّة موارد النفط القريبة الرخيصة كما كان يفعل ربيبهم بالأمس القريب..
أيّها الأحبّة, يشهدُ الله بأنّنا أعرَفُ من غيرنا بحالكم وما تكابدونه في وجه طاغوتٍ ظالمٍ فاجرٍ لم يرقبْ في أهليكم إلاًّ ولا ذمّة، وإنّي لكم والله ناصح، فلا تغرنّكم فتاوى المُنافقين وما يزيّنونه لكم من بنيّات الطّرق، أو يدفعنّكم خذلان الأقربين لكم إلى ما يُغضب ربّكم، فدينُ الله أعزّ، وكتابه أصدقُ قيلاً وأقوم، وقد أنزل فيه عزّ وجلّ: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، إي والله لن يرضى عنكم هؤلاء يا أحفاد عمر المُختار حتى تسيروا في ركابهم وتتبّعوا سننهم، وتتولّوهم على باطلهم، ونُعيذكم بالله من ذلك, ونُحذركم بما حذّر به ربّكم أولياءه في قوله جلّ شأنه:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
ثمّ عوداً على بدء، أحسبُ أنّ الإخوة في الفرقان رتّبوا الأسئلة بطريقة معيّنة أحسنوا فيها، ولكنّني سأبدأ بما أظنّ أنّه أولى تمشياً مع الأحداث التي تعصف بالمنطقة، فأبدأ بها إن شاء الله ثمّ أعود للترتيب الأصلي الذي وصلني، وأقول متوكّلاً على الله..

ـ1- يقول سائلٌ: ماذا تقولون عمّا يحصل من ثوراتٍ في البلدان العربيّة؟ وهل هي الوسيلة الصحيحة للتغيير المنشود لهذه الشّعوب؟

أقول –والله تعالى أعلم وأحكم- الذي نراه هذه الأيام من أحداثٍ مزلزلة في سلسلةٍ من الثّورات بدأت من أقصى مغرب الإسلام؛ نتاجٌ طبيعيّ تراكمت دوافعه على مدى عقود من الحكم الطّاغوتيّ الذي أذلّ الشّعوب واستعبدها بأبشع صورة، فهذه الأنظمة فقدت كلّ أسباب البقاء, وجفّت جذورها, ولم تعد قادرة على الاستمرار إلا بالمزيد من القمع وبالبطش والتّخويف وتكميم الأفواه ومحاربة الفضيلة وفتح أبواب الفساد، وتحويل هذه البلدان إلى ضيعاتٍ لنهب الثّروات وخدمة الطّاغوت الحاكم وأفراد أسرته وحاشيته، وهو أمر لم يسبق أن مرّ على هذه الأمّة بهذه الصّورة أبداً منذ نزول القرآن وانطلاق مسيرة الإسلام وإنشاء دولته الأولى..
والغريبُ فينا نحن المسلمين –والله المُستعان– أنّنا ذُهلنا من وقوع مثل هذه الأحداث بهذه الصّورة المزلزلة في وقت قصير، حتى صعُب فيه على بعض النّاس متابعة الأحداث أوّلاً بأوّل، والحقيقة التي غابت عن الكثيرين هي أنّ هذا الخروج في واقع الأمر تأخّر كثيراً جداً، ودفعت الأمّة بسبب ذلك أثماناً باهظة، فدوافع الخروج على الحكّام الطّواغيت بهذه الكيفيّة الانفجاريّة المتتابعة في مُعظمها دوافعُ إنسانيّة مشروعة لم تنفرد بها الشّعوب الإسلاميّة، لكنّها تأخّرت في استثمارها فتحمّلت وِزرها الأكبر، وصارت في مؤخّرة الأمم ومقياساً للظّلم والاستبداد والفساد، وكانت أَوْلى من غيرها وهي أمّة الجهاد والأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر في أن تأخذ بأسباب خلاصها بنفسها، وتخرج من النّفق المُظلم الذي حُشرت فيه حشراً قرناً من الزّمن..
ورغم أنّ المطالب التي ارتكزت عليها الثّورات في انطلاقتها وزخمها مشروعة في ذاتها بالإجمال، إلا أنّ المؤلم حقّاً أنّ تأثير الحكم الطّاغوتيّ المتطاول وغياب الدّعوة الإسلاميّة الفاعلة المؤثّرة لورثة الأنبياء، جعل الغاية الكُبرى التي خُلق الإنسانُ لتحقيقها وجَعَلَت لأُمّة الإسلام الرّيادة والخيريّة لأكثر من ألف عام، ألا وهي توحيد الله في ربوبيّته وإلوهيته -تشريعاً وحكماً وتحاكماً-؛ أمراً مُغيّباً بصورة صارخة، فكان البديل جاهزاً دائماً حيث يغيب صوتُ الحقّ وأهلُه، وخرجت فئامٌ من النّاس عن جهلٍ وعلمٍ ترفع هذه المطالب تحت شعارات الجاهليّة الحديثة، التي لا نترددّ أن نُعلن بُغضها والبراءة منها..
وهذا لا يعني أن يُطعن في هذه الثّورات أو يُزهد في مكاسبها جملةً وتفصيلاً كما يفعلُ البعض، فما لا يدرك كلّه لا يُترك جلّه، مثلما أنّ الواجب على المسلمين ألاّ يكونوا إمّعاتٍ يُحسنون إن أحسن النّاس ويسيئون إذا أساؤوا، بل إنّنا كنّا ولا زلنا ندعو إلى الخروج على هؤلاء الحكّام الطّواغيت بكلّ وسيلةٍ مشروعة، ونحسبُ أنّه من أعلى مراتب الجهاد في سبيل الله إذا استحضرت النّية الصالحة، ونبرأ إلى الله من كلّ ما يُخالط هذا الخروج ممّا يُعارض ديننا فضلاً عن أن يناقض أصله..
والموطن اليوم ليس موطن تلاومٍ وتنازعٍ على ما فات، والواجب على الجميع استغلال المناخ الجديد لإحياء الأحكام الشّرعيّة التي غيّبها الطّاغوت، والصّدع بدعوة التّوحيد وملّة إبراهيم بكلّ قوّة وبلا تأخير، فكلّ مسلمٍ تجتاله الشياطين لدهاليز "الديمقراطية" و"العلمانية" و"الليبرالية" وغيرها من المناهج الجاهليّة، يتحمّل الدّعاة وأهل العلم وورثة الأنبياء كفلهُ واللهُ سائلُهم عنه، فالموطن اليوم موطنُ إقدامٍ وصدعٍ بالحقّ وليس موطن سُكون وسلبيّة وتقية، ولا حياة لدعوة لم تشرب من دماء أصحابها، ولا يستغربنّ من آثر السّلامة وبقي أسير منبره وحِلَقِه وفضائيّته إن سبقته القافلة وسيق النّاس من بين يديه أفواجاً تحت الشعارات الجاهليّة المناقضة للإسلام، وهذه أمانةٌ عظيمةٌ يتحمّلها أهل العلم ومن تصدّر للدّعوة.
ويجب أن نفهم جيداً أنّ التغيير الذي أعقب هذه الثّورات هو في الحقيقة بداية الانطلاقة وليس نهاية المطاف في الأمر كما يحاول الإعلامُ الصّليبيّ تصويره، والطّريق لا زال طويلاً للتغيير الحقيقي الذي يرضي ربّنا، فالنّصرُ الحقيقيّ الكامل لن يتحقّق إلا بتحكيم شرع الله، والظّاهرُ أنّ بيننا وبين هذا النّصر مفاوز مليئةٌ بالمحنْ والابتلاءات، فأعداء الأمّة شرقاً وغرباً بلا استثناء مستنفرون كما لم يسبق لهم ذلك لاستثمار هذا التغيير، وتقليل الضّرر الذي سيلحقهم أو حتى تحويله لمكاسب، ولن يتردّدوا في التّحرّك بكلّ قوّة وفي أيّ اتّجاهٍ يضمن لهم مصالحهم ويقطع الطّريق على أهل التّوحيد، وهذا واضحٌ جداً من ردّة الفعل الانتقائية تجاه الثّورة في تونس ومصر، وما يصنعونه اليوم في ليبيا، ففي الأخيرة انعدمت الآلية التّقليديّة في الحفاظ على النّظام والاكتفاء بتغيير رأسه، والتي توفّرت لأمريكا وأوروبا في كلٍّ من مصر وتونس، ومثّلها الجيش بقياداته الموالية كليّاً للغرب، ولهذا لم يتردّدوا في حالة ليبيا من التدخّل المُباشر بأنفسهم وتشكيل حلفٍ عسكريّ جديد على وجه السّرعة وبغطاء عربيٍّ جاهز كالعادة، في قصّة مُشابهةٍ لما حصل في غزو العراق، حيث استصدرت قرارات متعجّلة سرعان ما تجاوزوها وظهر الخلاف بين أقطابها في الشّرق والغرب على مغانم الحملة، ولنسمع نفس الألفاظ التي أجراها الله على ألسنتهم عن حملة صليبيّة جديدة..
وكان الأحرى بمن تباكى على ما يجري لأهلنا في بنغازي وغيرها من المُدن على يد شراذم القذّافي، أن ينفِر إلى هناك ويستنفر الأمّة لنُصرة إخوانهم بدل أن يسلّمهم لقمة سائغة لمن لا تزالُ أيديهم تنحر المسلمين وتُجري من دمائهم أنهاراً..
وإنّه لمن التناقض المُفجع أن تُدكّ المدُن اللّيبية على يدِ عصابات ومرتزقة القذّافي على حدود مِصر بجيشها "العرمرم" الذي لم يحرّك ساكناً، رغم أنّه صار حاكماً لنفسه ولمصر، ثمّ نسمع من يزكّي هذا الجيش ويغضّ طرفه عمّا يجري خلف حدود مصر الشّرقية والغربيّة، وبعدها يأتي يولولُ كالنّسوان في الفضائيّات على جرائم القذّافي بحقّ المُسلمين ويبرّر الحملة العسكرية الجديدة للغرب، وإنّها ليست حملة صليبيّة لأنّها على حدّ زعمه "جاءت بدعوة من الجامعة العربيّة"!!، فأيّ نفاقٍ وأيّ دجلٍ وخُذلان..
وهذا بُرهانٌ واضحٌ على أنّ التّغيير المطلوب الذي نراهُ موافقاً للشّرع بحدّه الأدنى لن يتمّ إلا بالجهاد والقوّة، ولن تزالَ الفتن تتتابعُ على هذه الأمّة حتى تستجيب لأمر الله الواضح الصّريح البيّن: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله}، وسيظلّ التذبذبُ والتّناقض في المسمّيات والأحكام والتعامل مع هذه النّوازل مُلازماً للحركات الإسلاميّة لا ينفكّ عن رموزها ما ظلّوا على ما هم فيه من الإعراض عن هذا الأمر المُحكم الصريح وتغييبه أو تلبيسه على النّاس، وسنرى الفتن الممحّصة تُسقط الكثير من هؤلاء في سنّة ماضية من سُنن الله في خلقه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ}.

ـ2- سؤال: يزعم البعض أنّ هذه الثّورات أثبتت أنّ المنهج السّلمي (اللاّعنفي) كما يسمّونه أنجح في إحداث التغيير من القتال (الجهاد) وحمل السلاح فهل هذا صحيح؟
 

- هذه من الشّبه التي أطلقها الغربُ نفسه ووسائل الدّعاية التي تدور في فلكه مستثمراً نشوة النّصر التي تشعر بها الشعوب الثّائرة بعد أن كسرت حاجز الخوف، والغاية من هذه المزاعم واضحة معروفة..
ونقول ابتداءً لمن روّج لهذه الشّبهة من بني جِلدتنا: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ}؟، وهذا كتاب ربّنا بين أيدينا فأين ما تدعوننا إليه فيه، أو في سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، أو سيرة صحابته رضي الله عنهم أو أتباعهم؟، والله تعالى يقول: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، فالمجاهدون ولله الحمد أسعدُ النّاس باتّباع الكتاب والسّنة وفهم حقائقهما، ولذلك لم يرَ المسلمون في هذا العصر أكثر وضوحاً وثباتاً من المجاهدين على مواقفهم في مثل هذه النّوازل العظيمة التي تجعل الحليم حيراناً؛ لأنّ ما يدعون إليه يخرج من مشكاة الكتاب والسنّة الصّافية ولا يجاوز فهم السّلف فيه، وهذا من فضل الله على المسلمين جميعاً، ومصداقٌ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} كما فسّره كثير من أهل العلم.
ثمّ إنّ هذه الشّبهة السّاقطة لم تلبث أن تهاوت على رؤوس أصحابها في أقلّ من شهر، وهاهو الغرب الصّليبيّ نفسه الذي يريد أن ينزع من نفوس المسلمين روحَ الجهادِ وسبَبَ التّمكين والعزة، ويدقّ إسفيناً بين المجاهدين وأمّتهم، هو نفسه اليوم يُجيّش الجيوش والبوارج, وتملأ آلته الحربيّة الجوّ والبحر، فلماذا لم يقولوا لهم: كفّوا عن هذا "العنف" واتركوا الشعب اللّيبي يواجه مصيره بطريقة "لاعنفيّة"؟،
وهذا لن يحدث؛ لأنّ الغرب الكافر مع الأسف أكثر وعياً من كثير من المسلمين بسنن الله الكونيّة، فالذي يريد خداع الشعوب المسلمة بهذا الأمر هو نفسه يمتلك من الأسلحة ما يكفي لإبادة أضعاف عدد البشر الأحياء اليوم على كوكب الأرض، وتملأ قواعده الأرض والبحر وحتى الفضاء الخارجي، ولا يتردّد في استخدامها بأبشع صورة لتحقيق أتفه المصالح، ثمّ يأتينا ليقول: ارموا سلاحكم واتركوا العنف لأنه وسيلة "غير حضاريّة" للدّفاع عن النّفس واسترداد الحقوق! قاتلهم الله أنّى يؤفكون.
ومع إنّنا لا نُنكر أنّ الكثير من الوسائل التي يسمّونها اليوم "سلميّة" هي من جنس إنكار المُنكر الذي تتعدّد مراتبه بحسب القدرة والاستطاعة كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث العظيم: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان", لكن كيف لنا أنْ نُسلّم لأصحاب هذا المذهب أنّ الوقفات السّلميّة "اللاعنفيّة" المجردة في السّاحات العامّة ورفع لافتات الرّحيل والتّغنّي بذلك أمام وسائل الإعلام هو الذي أجبر طاغوتي تونس ومِصر على الرّحيل؟ ولماذا لم تنفع مثلُ هذه الوقفات سابقاً؟
إنّ الرؤية المُنصفة للأحداث تحدّد بما لا لبس فيه أنّ سبب التغيير كان هو الانهيار الكامل تقريباً للمنظومة الأمنيّة التي سهر الطواغيت على بنائها عشرات السّنين وتراكمت فيها أقذر خبرات العالم في البطش وتصفية المخالفين، والذي أوصل الصّراع لهذه المرحلة كان بكلّ وضوح هو الصّدام المباشر بين جموع الزّاحفين التي كُسر عندها حاجز الخوف وخرجت لا تُبالي بالموت بعد أن لم يعد هناك ما تخسره، مع أجهزة هذه المنظومة الأمنيّة التي حكمت النّاس برادع الخوف ولم تكن مصمّمة للتعامل مع هذه الجموع الغفيرة من الغاضبين المستعدّين للتضحية..
وهذا ما رأيناه من اشتباك المتظاهرين مع قوّات الأمن واقتحام وإحراق مقرّات الحكومة ومراكز الشرطة والدّوائر الأمنية والسّجون المحصّنة، ممّا أفقد الطّاغوت وسائل البطش التي يعتمد عليها فأصبح ضعيفاً مرتبكاً فاقداً للسيطرة، وهنا جاء التدّخل الخارجي مؤيّداً لخلع رأس النّظام بكلّ قوّة ومطالباً به في أسرع وقت لامتصاص زخم الجموع الغاضبة قبل أن تنفلت الأمور أكثر، وظهر دور الجيش الحاسم في التغيير لأنّه وبكلّ بساطة هو صاحب القوّة على أرض الحدث، ولذلك لمّا لم يكن هذا العاملُ (الجيش الموالي للغرب) موجوداً في الحالة اللّيبيّة رأينا كيف تسير الأمور بصورة أخرى، لكن بنفس السّنة الكونيّة التي بيّن القرآن أنّ المؤمنين هم أهلها وأولى النّاس في الأخذ بأسبابها: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}..
فقوامُ الدّين وقيام أحكامه بالكتاب الهادي والسّيف النّاصر، فمن عدَل عن الكتاب قُوّم بالحديد كما قال أهل العلم..
وما هو إلاَّ الوحيُ أوْ حدُّ مُرْهفٍ ***  تُميلُ ظُـباهُ أخْدَعَيْ كلِّ مائلِ
فهـذا دواءُ الدَّاءِ مـن كلِّ عالمٍ *** وهذا دواءُ الدَّاءِ من كلِّ جاهلِ

ـ3- سؤال: وما قولكم في أحداث البحرين، هل هي على نفس نسق الثّورات الأخرى وهل تؤيّدونها؟
 

- النّظر بتفصيل لكلّ بلد في مثل هذه الأحداث أقرب لإصابة الحقّ وتحقيق المصلحة، ولا نشكّ أنّ الذين يحكمون البحرين اليوم هم حلقةٌ في السلسلة المتعفّنة من الطّواغيت التي تحكم رقاب المُسلمين بغير ما أنزل الله, وتُحارب شرع الله, وتوالي أعداءه، لكنّ الذي حصل في البحرين كان بكلّ وضوح امتداداً للتّحرك الرافضي في المنطقة بعد أن وجدت إيران أنّ مشروعها الصّفوي الكبير قارب على النّضوج وبدأت تفرضُ نفسها كلاعبٍ قويٍّ مُعترفٍ به إقليميّاً من قبل الغرب، ولا نستبعد أن تُباع البحرين كما بِيعَ العراق، فأمريكا تعبُد المصالح ولا تتعامل باحترامٍ إلا مع الأقوياء..
ولذلك فإنّنا نقول لأهلنا هناك: خذوا حِذركم, وسلّحوا أنفسكم, وليكن فيما يحدث لإخوانكم في إيران والعراق لكم عِبرة، ولستم والله بأمنع منهم في ذلك، ولا تعوّلوا على أنظمة هزيلةٍ وجيوشٍ مُتخمةٍ أهلكها الخُمول والسّمن ولا يحرّكها إلا اهتزاز العروش والكراسي، ولا يخدعنّكم من يقولُ لكم أنّه لا خيار لكم إلا أن تنصُروا هؤلاء الحكّام أو تُذَلّوا بحُكم الرّافضة، فالمسلمُ عزيزٌ بما أعزّه الله به، وحاشا لله أن يجعل من هؤلاء الفجّار الفاسدين الحاكمين لدويلات الخليج سبباً للعزّة وقد أذلّوا أنفسهم وجعلوها مطايا لعبّاد الصّليب وإخوة القِردة والخنازير..
وكيف يُعزّ أهلُ السّنة في البحرين بمن أباحوا أرضهم وديارهم لمن ذبح أهل السنّة في العراق من الوريد إلى الوريد وسلّمهم على طبقٍ من ذهبٍ للرافضة، وأين كانت قوات درع الجزيرة وغيرَته على الأعراض، ونساءُ أهل السّنة في العراق بل حتى رجالهم تُنتهك أعراضهم وتُثقب أجسادهم وتُذابُ لحومهم بالأحماض على يد الرّافضة الأنجاس؟
ولقد رأى أهلُ السّنة كيف يَدعم "أبطالُ" درع الجزيرة الجّيشَ الأمريكي في المعتقلات الصّحراوية الضّخمة على حدود دولة آل سعود, والتي سُجن فيها ربع مليون سُنّي تقريباً منذ بدء الغزو الصّليبيّ للعراق، فكان الجنديّ الأمريكيّ يشرب من الماء المعبأ في مكّة ويأكلُ تمر المدينة ويستعمل صحون وملاعق البتروكيماويات السعودي، وتخدمه الشّركات الخليجية في السّعوديّة والكويت حتى في تنظيف قَذَره ونجاسته، ثمّ يقضي إجازته ويرفّه عن نفسه في الدّوحة ودبي وحتى في البحرين نفسها..
فالغيرة على الأعراض والدفاع عن مسلمي البحرين هي آخر شيءٍ في قائمة الأسباب التي حرّكت تلك الجيوش التي لم تُبنَ إلا لحلب أموال النّفط في صفقات التّسليح المعروفة, وحتى تُتخذ قواعدها مقرّاتٍ دائمة للجيش الأمريكيّ الذي يصوّرونه حامياً لحمى الخليج!! وسيأتي اليوم الذي يُباع فيه وكلاء أمريكا في سوق العمالة وبأبخس الأثمان، فأعدّوا يا أهل السّنة لمثل هذا اليوم عدّته, فإنه والله ليس بعيداً عنكم كما تظنّون، نسأل الله أن يحفظكم ويحفظ عليكم دينكم وأعراضكم وأن يستعملكم في نُصرة دينه وقمع أعدائه..

ـ4- سؤال: ما تقييمكم للوضع الجهادي الحالي في العراق عسكرياً وسياسياً؟

 - الحقيقة, الإحاطة بهذا السّؤال من كلّ جوانبه يطول، لكن بصورة عامّة الوضع في العراق بخير إن شاء الله، وما يُكابده المجاهدون اليوم من الابتلاءات والمحن سنّة ماضية تجري على كلّ من سار في هذا الدّرب والتزم لوازمه، فأمرُ الجهاد أمرٌ شديد, كما إنّ مآله في الدّنيا وأجره في الآخرة شيءٌ عظيم..
ونحنُ نرى أن وضع المشروع الجهادي في العراق بعد سنين من المطاولة والنّزال الشرس أفضل حالاً وأكثر رسوخاً وثباتاً وأوضح رؤيةً من مشروع التّحالف الصّليبي الصّفوي ولله الحمد، وهذا نحسبُ أنّه من علامات النّصر الذي لا نشكّ في أنّ عاقبته للمؤمنين، فرغم كلّ الدّعم والإمكانات التي حشدها هذا التّحالف في العراق لوأد مشروع الدّولة الإسلاميّة وبثّ الحياة في جسد النّظام الذي أنشأه بالمنطقة الخضراء؛ فإنّ الفشل الذّريع كان نصيبه من يومِ ولادته، فصار كائناً هزيلاً ممسوخاً ينتظر الموت ولا قدرة له على الاستمرار.. ولو قارنّا مشروع المجاهدين في دولتهم الفتيّة بمشروع الصليبيين ودولتهم الرافضيّة الصّفويّة لوجدنا أنّ الكفّة راجحة بكلّ تأكيد لصالح المشروع الجهادي..
فعلى الصّعيد السّياسي.. الحكومة التي وُلدت من رحم التّقارب والتّحالف الصّليبي الصّفوي حكومة مريضة ضعيفة نخرها الفساد وفكّكتها الصّراعات، فلا ثمّة تقدّم أو استقرار على المستوى المنظور، والحكومة الحالية لا تختلف عن سابقتها إلا في أنها فاقدةٌ للتأييد الشعبي حتى من جانب الرافضة أكثر مما سبق، والمالكي وحلفاؤه اغتصبوا السلطة في مسرحية مكشوفة لا تنطلي على سذج العراقيين! كما همّش تحالف الرافضة غيره من القوى والأحزاب بكل صلافة، ولم يترك لمن يظن فيهم أنّهم يمثّلون السّنة إلا الفُتات وبعض المناصب الشّكلية.
وبِنيةُ الحكومة الصّفويّة نفسها بنية متهالكة ضعيفة قائمة على أساسٍ نفعيّ وتوزيع طائفي وقومي صارخ لا يكاد يخلو منه أيّ مفصلٍ من مفاصل هذه الدّولة الفاشلة، وعوامّ السنّة الذين خدعتهم الشّعارات وفتاوى السّوء نادمون على ذهابهم لصناديق الاقتراع، فمشروع حكومة المالكي الحاليّة مشروعٌ ذو هويّة صفويّة بامتياز، ومرافق الدولة منخورة بالفساد والمحسوبية للعظم بلا استثناء، والخدمات تكاد تكون معدومة، فلا ماء صالح للشرب –حتى في المدن- ولا كهرباء ولا دواء ولا عمل... والقائمة طويلة، وانعكس ندم النّاس في المظاهرات الأخيرة التي أرعبت حكومة المنطقة الخضراء رغم تواضع شعاراتها وتفرّق مشارب المُشاركين فيها وأهدافهم..
أمّا على المستوى الأمني والعسكري.. ففشلٌ واضح وعجزٌ تامّ، فالحكومة المرتدة منهمكة في حماية الشخصيات ونهب الأموال، وتُنفق المليارات لا على توفير الخدمات للنّاس كي ترضيهم وتُسكت صوتهم المزعج؛ لا.. بل لمحاربة "الإرهاب" والانشغال بتكاليف حماية أزلام الحكومة وعوائلهم وممتلكاتهم والتي تستنزف أغلب ميزانيّة الدّولة، والأجهزة الأمنيّة أبعد ما تكون عن جيش وشرطة موحّدة، بل هي عصابات ومليشيات مفكّكة وجماعات ضغط تتنازعها صراعات لا أوّل لها ولا آخر، فهذا الجندي الرافضي ولاؤه لمرجعياته المختلفة، والجندي الكردي لا يتلقى الأوامر إلا من الحزبين الحاكمين، ويبقى الجندي فاقد الهوية المحسوب زوراً على أهل السنة، فهذا متذبذب، تارةً مع البعث, وتارةً مع الصحوة, وتارة مع المواكب الحسينية..!!
علاوةً على ذلك فإنّ الأجهزة الأمنيّة الكثيرة بتشكيلاتها المختلفة ودوائرها التي تملأ العراق طولاً وعرْضاً لم تستطع أبداً توفير الأمن لنفسها، وهي لم تزد على أن تحوّل العراق لسجن كبير ودولة "بوليسيّة" إن صحّ التعبير، حيث يتعرّض كل من يُعارض المشروع الصّفوي للملاحقة أو التّصفية بتهمة الإرهاب و"القاعدة" ولو كان رافضياً!! وسجون المالكي التي ملأت العراق تعجّ وتزدحم بالمظلومين..
أما جنود دولة العراق الإسلامية -نصرهم الله تعالى- فرايتهم واحدة, وأميرهم واحد, وغايتهم واحدة, وعقيدتهم واحدة.. ولا ثمّة ما يفرّق بينهم، وَهُم في ازديادٍ ولله الحمد، وقد اختاروا الذوبان في المجتمع والتجؤوا لحرب العصابات المُستنزِفة للعدو، وزمام المبادرة بأيديهم، يختارون الوقت والمكان المناسبين للهدف الذين يحددونه هم متى شاؤوا، وهذا كسب آخر للمجاهدين..
وهم لا غيرهم من يمتلك مفاتيح النّصر بإذن الله، من صفاء المنهج ووضوح الرؤية والثّبات في المواقف، والاجتماع على طاعة الله واتّباع أوليائه، والصّبر على محن الطّريق وابتلاءاته، وذلك من فضل الله تعالى علينا وعلى الناس ولله عاقبة الأمور، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

ـ5- وهل المظاهرات التي شهدناها في العراق فاعلة في إحداث تغييرٍ كما حصل في تونس ومصر؟

كما بينّا سابقاً في السؤال عن البحرين فإنّ التّفصيل والابتعاد عن الحكم الواحد المُطلق على كلّ هذه التظاهرات أصوب في التعامل مع هذه القضايا.. والحالُ في العراق يختلف كثيراً عن تونس ومِصر، فالعراق بلدٌ مُحتلّ احتلالاً مباشراً من قبلِ القوّات الأمريكيّة, وهو ساحةٌ لحربٍ مصيريّة ويتجاذبُ الصّراع على السّلطة فيه مشروعان خبيثان: فالمشروع الصّليبي من جهة, والمشروع الرافضي الصّفوي من جهة أخرى.. ومثلُ هذين العدوّين الفاجرَين المسلّحين بكلّ أنواع الأسلحة لا يُمكن تغييرهما أو إصلاحهما مهما كان حجم التّظاهرات، بل لابدّ من قلعهما من الجذور وإزاحتهما بالقوّة والجهاد في سبيل الله..
أمّا المظاهرات فقد خرج إليها النّاس بسبب الظّلم وضغط المعيشة وسوء الخدمات وغيرها من الأعراض التي رافقت النّظام الفاسد الفاشل القابع في جحور المنطقة الخضراء، وهذا في تشخيصنا ليس أصلَ الدّاء، ولذلك لم نجد في هذه المظاهرات مثلاً من طالب بزوال الاحتلال إلا القليل النّادر رغم أنّه السّبب الأوّل فيما هم فيه من مآسٍ، فضلاً عن الدّعوة لسقوط المشروع الصّفوي الذي سمّم الحياة وارتكب مجازر بأهل السّنة تُضاهي بل تتجاوز ما صنع التّتار في غزو بغداد..
ونحنُ نرى أنّه لا حلّ في العراق بغير الجهاد الذي أُمرنا به في مثل هذه المواطن، والأولى بأهل السنّة أن ينفروا خفافاً وثِقالاً لقتال الكفّار ونُصرة أبنائهم وإخوانهم المجاهدين, وقد أثبتت الأيّام لهم خطأ الطّريق المُهلك والخديعة الكبرى التي سيقوا إليها خلف سراب الديمقراطية والانتخابات والانغماس في العمل السّياسي، الذي لم يزد أهل السنّة إلا ضعفاً وذلاًّ ومهانة، وصدق نبيّ الله صلى الله عليه وسلّم: "ما ترك قومٌ الجهاد إلا عمّهم الله بالعذاب"، وفي رواية: "ما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بذُل".

ـ6- هل الصحوات لا تزال أكبر مشروع يهدد الجهاد أم أنه بالفعل تم إجهاض مشروع الصحوات وإفشاله؟

 - مشروع الصّحوات ورقةٌ لعبها الأمريكان كجزءٍ من مؤامرة كبيرة جداً على الدّولة الإسلاميّة بترتيبٍ مع أذنابهم في المنطقة، وهي بحمد الله وفضله إلى زوالٍ سريع لأسبابٍ عديدة..
في مقدّمتها أنّه كان مشروعاً خيانيّاً بامتياز، استعان فيه الأمريكان بأراذل البشر وأخسّهم ممّن خانَ دينه وارتزق ببيعِ عِرضه، فهؤلاء لم يجتمعوا على قضيّة يقاتلون من أجلها إنّما جمعهم المال والطّمع بموعود المناصب التي أُغدقت عليهم، ومثل هذه النّفوس الخبيثة المجرمة سرعان ما تفقد اندفاعها وحماسها عندما تشعر أنّ الثمن الذي يُدفع مقابل ذلك باهظٌ جداً، وأنّ السّحت البخس المقبوض لا يساوي -بأيّ حالٍ- الخسارة الكبيرة المُنتظرة، خاصّة وأنّ هذه الورقة قد استُنزفت وفقدت قيمتها لدى الأمريكان بعد أنْ استنفدوا منها أغراضهم، ولم تعُد الإدارة الأمريكيّة تعبأ بدعم هؤلاء أو الدّفاع عنهم كما كانت تفعل سابقاً، ولذلك تجدُ رؤوسهم الآن إمّا مع الذين يستجدون في حشر أنفسهم بالعمليّة السّياسية لحجز مقعدهم في المنطقة الخضراء، بتزكية الأمريكان وحمايتهم نظير ما قدّموه من خدمات، وهم اليوم تحت رحمة الحكومة الصّفويّة التي تتربّص بهم، أو هاربين مشتّتين في دول الجوار لا يلوون على أمر بعد أن لفظهم المسلمون في هذه البلاد وصاروا مطلوبين منبوذين من كلّ الأطراف..

وقد كان لنجاح الدولة الإسلاميّة في امتصاص زخم المؤامرة وتحمّل الطّعنات الغادرة للفصائل المرتدّة دورٌ كبير في إفشال هذا المشروع الخبيث، فحجم الخيانة كان عظيماً والضّغط هائلاً لدرجة لا يمكن للعقل أن يستوعبها بسهولة، وقد منّ الله على قادة الدّولة الإسلاميّة بالثّبات في تلك الظّروف ثمّ أخذ زمام المبادرة بعد أن ظنّ العدو أنّه لن تقوم للجهاد قائمة، وها هي الدّولة الإسلاميّة رغم كلّ ما مرّ عليها لم تبدّل ولم تغيّر، بل زادت قوّة وثباتاً وتماسكاً وخبرة في المنازلة، ولا زالت بفضل الله تقطف رؤوس هذه الجريمة وتتّبعهم فرداً فرداً لتقلع جذورهم إلى الأبد..
واليوم مشروع الصّحوة في انهيار تامّ، فقد تفلّت معظمهم وغادروا نقاط التجسّس في الشوارع ولم يعرْهم الأمريكان ولصوص المنطقة الخضراء آذاناً صاغية، فإذا ذكّروا أسيادهم بأمجادهم في محاربة المسلمين وتهجيرهم وأسرهم.. أو هدّدوهم بعودة الدّولة الإسلامية؛ عطف عليهم سيّدهم الصّفويّ بإبرام عقودٍ جديدة مؤقّتة للتجسس، خسروا الدنيا والآخرة..

ـ7 سؤال: وهل ما زلتم تقبلون توبة الصحوات؟

 

- ومن ذا الذي يسدّ باب التّوبة، وقد أعلنت الدّولة ذلك مراراً وعرضته في أكثر من مناسبة، خاصّة الجماعات المسلّحة التي انحرفت وضلّت فأضلّت أتباعها وزيّنت لهم الكفر والردّة بفتاوى سوءٍ ما أنزل الله بها من سلطان، فمن تابَ ورمى سلاحه واعتزل عن إعانة المُحتل الصّليبيّ وأذنابه بأيّ وسيلة، وكفّ شرّه عن المسلمين وأتبع سوء أعماله خيراً، فلن يجد منّا إلا عوناً وأمناً..
وإلا فإنّ الدّولة الإسلاميّة عزمت أمرها على تطهير الأرض منهم ولن تتردّد في مطاردتهم والتّشريد بهم وقتلهم عن آخرهم حيث كانوا، لعظيم كُفرهم وجرمهم وشناعة خيانتهم، وقد منّ الله علينا وأظفرنا بقطف المئات من رؤوسهم ولا زلنا ولله الحمد، فليعتبر الحيّ المُعاند فيهم بمن سبقه قبل أن تطاله أيادي المجاهدين ويموت على غير ملّة الإسلام ويورث ذريّته الخزي والعار..
ونقول لهم: الأمريكان تخلّوا عنكم وهم إلى رحيل، والرّافضة أذلّوكم بما يُلقونه إليكم من الفُتات وهم يتربّصون بكم الدّوائر، والمجاهدون الذين أعملوا سيوفهم في رقابكم لن يكفّوها عنكم ولن تأخذهم بكم رأفة أو رحمة، فإلى أين أنتم ذاهبون أيّها المضلّلون وأنتم أكثر الأطراف خسارة بعد أنْ بعتم آخرتكم بدنيا غيركم.. فلا دينكم أبقيتم ولا ما رقعتموه..!

ـ8 سؤال: وما هي حقيقة التواجد العسكري الأمريكي بعد إعلانهم البدء في خطة الانسحاب؟

 - الأمريكان لا زالوا متواجدين في مركز القرار بالمنطقة الخضراء ببغداد وبيدهم خيوطٌ كثيرة، كما إنّ قوّاتهم البريّة لا زالت محبوسة وراء الجُدر في قواعدها، تاركة عبء مواجهة المجاهدين وضرباتهم على وكلائها، لكنّهم ينتشرون عندما يشعرون باهتزاز الوضع الأمني الذي هو في الأساس هشٌّ جداً، ومن السّذاجة الاعتقاد بأنهم سيتركون العراق تطوّعاً والتزاماً منهم بأيّ خطّة أو اتفاق مُعلن، خاصّة بعد كلّ التّكاليف الباهظة التي تحمّلوها والخسائر التي لحقتهم، سواءً بآلتهم العسكريّة أو اقتصادهم الذي يعاني في الأصل من نزفٍ مستمر ومستقبلٍ قاتم..
لكنّهم بكلّ تأكيد فقدوا العزيمة على المطاولة والصّبر، وانسحابهم أصبح شيئاً ضرورياً لا يمكنهم تجاوزه، وهم يحاولون الخروج من العراق بأقل الخسائر، أو على الأقل بنصرٍ إعلاميٍّ شكلي، فقد كانت تجربة العراق مريرة لهم بكلّ المقاييس، وسُمعة أمريكا كامبراطوريّة عسكريّة متسلّطة صارت على المحكّ بصورة لم يسبق لها مثيل في تأريخها الحديث، وهي الآن عاجزة عن التدخّل العسكري الفعلي المُباشر في أي ساحة صراعٍ جديدة، وهذا ما اعترف به الكثير من عقلائهم ومراكز أبحاثهم، وهو أمرٌ يُرعب أصحاب القرار في واشنطن خاصة مع اضطراب الأوضاع السّياسية في العالم, وظهور جبهات مواجهة جديدة مع المجاهدين, والهزيمة شبه المحسومة لحملتهم في أرض خراسان..

وقد وجد الصليبيّون في المشروع الصّفويّ حلاً مناسباً يمكن ترويضه والتّعامل معه ليسدّ الفراغ المرتقب بعد رحيلهم، وهم يهيئون الأمر لذلك لأنه بديلٌ مقبولٌ جداً عندهم، فهي دورة تأريخيّة نمرّ بها كما مرّ بها أسلافنا، وصدقَ شيخ الإسلام رحمه الله في وصفه بأنّه ما ابتلي المسلمون بعدوٍّ كافر إلا كان الرافضة معه على المسلمين، فهم يوالون من لا يُشك في عداوتهم للدّين من اليهود والنصارى والمشركين، ويعادون أولياء الله الذين هم خيار أهل الدين..

ـ9 سؤال: يزعم الصليبيون أن الانسحاب نتيجة لاستقرار الوضع ووجود حكومة قادرة على السيطرة. فهل هذا هو السبب الحقيقي أم هناك أسباب أخرى برأيكم؟ وهل تتوقعون أن يتم الانسحاب فعلاً بنهاية العام كما هو معلن؟


 - الانسحاب من جبهة العراق بالنّسبة للصّليبيين مسألة محتومة لا مناص لهم منها كما مرّ، وقد حُسم أمرها وتسارعَ لأسباب كثيرة متداخلة تطرّقنا لبعضها، ومن الطّبيعي أن يكون ذلك بغطاء إعلامي مقبول يحفظ لهذه الدّولة المتغطرسة المتجبّرة ماء وجهها، ويُظهر للعالم نجاحاً أيّاً كان حجمه لمشروعها الذي جاءت من أجله للمنطقة، طبعا ليس نفس المشروع الطموح الذي أعلن في فترة جورج بوش حول الشرق الأوسط الكبير الذي طُمر في أوحال العراق، فسقف المطالب انخفض كثيراً بفضل الله..
ولكن على الأقل أن يُصوّر في الإعلام بأن أمريكا لم تُهزم سياسيّاً رغم الخسارة العسكريّة والمادّية الفادحة، وأنّها نجحت في جعل الوضع السّياسي في العراق مستقراً بوجود حكومة "ديمقراطية" موالية لها على النّمط الغربي، مع جيش وشرطة وأجهزة أمنية تزيد على المليون عنصر دُرّبوا على عينها، وأنّ هذه التّركيبة السّياسيّة والأمنيّة قادرة على منع تحويل العراق لقاعدة جهاديّة سنّية تهدّد مصالح الغرب ودويلة اليهود في المنطقة..

وعند الحديث عن استقرار الوضع في العراق يجب أنْ نعرف ما الذي يقصده العدوّ من هذا المصطلح بعقليّته المادّية التي يحاول فرض تصوّرها على العالم، وما هو مقياس هذا الاستقرار المزعوم..
فالاستقرار عند هؤلاء ببساطة هو انخفاض عدد العمليات الجهاديّة التي يتعرّض لها المُحتل وأذنابه في مدن العراق السنّية تحديداً، والتي يُعلنُ عنها دوريّاً في الإعلام من قبل الجيش الأمريكي؛ فكيف استطاع هؤلاء فرض الاستقرار بهذا المعنى؟..
لم تجد مراكز أبحاث الإدارة الأمريكيّة و"خبراء" البنتاغون وسيلةً لتحقيق ذلك إلا بتحويل مناطق السنّة لسجون كبيرة احتُجز السكّان فيها داخل أحيائهم، وهي سجون حقيقيّة بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ومن زار العراق ستصدمه هذه الصّورة التي يعرفها الناس ويتعايشون معها هنا، فقد استغلّوا الطبيعة الجغرافيّة للمنطقة السّنّية التي تفتقر لتضاريس معقّدة ومنيعة كالجبال أو الغابات، وكون الحرب الدّائرة التي يخوضونها مع المجاهدين هي في حقيقتها حربُ شوارع -إن صحّ التعبير- داخل هذه المدن.

لذلك وبعد فشل أمريكا وكلّ الآلة العسكريّة الغربيّة في إيقاف تمدّد الدّولة الإسلاميّة الفتيّة وخنق صوتها، قامت وبالتّزامن مع مؤامرة الصّحوات والضغط العسكري الهائل، باستغلال انسحاب المجاهدين من مراكز المدن وتحويلها لسجون كبيرة تحولُ دون سيطرة الدولة الإسلاميّة عليها مرّة أخرى.
 فكل المدن السنيّة اليوم بلا استثناء محاطة بالسواتر الترابيّة والأسلاك الشائكة والجدرانٍ الإسمنتية العازلة، حيثُ قطّعت معظم أحيائها وطرقها الرئيسيّة والفرعيّة، وعُطّلت الحياة فيها فعليّا بسبب ذلك، وفي بعض المدن والأحياء فرضوا نظاماً لا يسمحُ بدخولها إلا لمن يحمل بطاقات تعريفيّة خاصّة كما حصل للفلوجة مثلاً..
ثمّ جعلوها مُستباحة لمجرمي الصّحوات وجيش وشرطة الحكومة الرّافضيّة والشّركات الأمنيّة التي تدعمها، واعتُقل عشرات الألوف من أهل السنّة في سجون سريّة ضخمة أنشؤوها لهذا الغرض حيث يتعرضون لوسائل التّعذيب البشعة التي تفوح رائحتها بين فينة وأخرى في الإعلام، وهذا كلّه بترتيبٍ وغطاءٍ عسكريٍّ مباشر من الأمريكان لإرهاب السنّة وكسرِ روح الجهاد في نفوسهم أو حتى التّعاطف مع المجاهدين..

وكان من أهمّ وسائل الأمريكان في تنفيذ خطّتهم ضربُ ستار حديديّ على التّغطية الإعلاميّة للتّعتيم على مجريات الجريمة على الأرض، وأصبحت العقليّة الحسابيّة المادّية ولغة الأرقام عن تناقص عدد العمليّات الجهاديّة التي تصدر في تقارير الجيش الأمريكي، والمسرحيّات البطوليّة لجيش وشرطة الحكومة العراقيّة الفاشلة؛ هما المنفذ الوحيد تقريباً الذي يُسمح فيه للإعلام بالتّعامل مع أخبار العراق ومجريات الأمور فيه، ونحن نقصد هنا مجريات المعارك بين المجاهدين وجيش الاحتلال والحكومة المرتدّة، وهي لغة لا تعكس بكلّ تأكيد حقيقة الواقع على الأرض..
وكمثالٍ بسيط لهذا التّعتيم: فإن خبر اغتيال آمر لواء في الجيش العراقي أو نسف مقرّ للشّرطة على يد جنود الدولة يُعدُّ خبراً تافهاً لا يستحق الاهتمام والتكرار، هذا إن ذُكر في وسائل الإعلام، بينما خبر مقتل مُغتصب يهودي في فلسطين أو حتى جنديّ يمنيّ مثلاً يعدُّ خبراً خطيراً يستهوي عشاق السّبق الصحفي!..

لذلك يُفاجأ العالم الذي تمّت تعبئته بمثل هذا التّضليل الإعلاميّ الهائل بضرباتٍ مزلزلة وانهيارٍ أمني لا يمكن للإعلام تجاهله بين فترة وأخرى في مختلف المناطق، فالاستقرار الذي يتحدّثون عنه استقرارٌ إعلاميٌّ زائفٌ لا يعكس الحقيقة ولن يدوم طويلاً بإذن الله، فالدّولة الإسلاميّة موجودة ومتماسكة, وهم يعلمون ذلك جيّداً وتتسرّب اعترافات خبرائهم عن هذا الأمر للإعلام بين حين وآخر، وسوف يأتي اليوم الذي تنهار فيه هذه السّجون الكبيرة وسيرى النّاس حينها الحقيقة كما هي بإذن الله وقوّته.

ـ10سؤال: يرى البعض أن هناك جموداً في العراق, أعني من حيث عدم وجود تقدم عسكري للمجاهدين على العدو, فنلاحظ انصراف العراق من كونه في الدرجة الأولى في الاهتمام الإعلامي الرسمي أو الجهادي أو الشعبي, فهل هذا يدلّ على أنهم يرون أن المعركة انتهت وأن الأمر شبه محسوم للمرتدين والحكومة ( الديمقراطية!) التي أقامها المحتل؟

 

ـ أمّا صفة الجمود التي تظهر على العمل العسكري للمجاهدين فتمّ التعرّض لبعض أسبابها الواقعيّة على الأرض في السؤال السّابق، وهي أسبابٌ لا يمكن أن تستمر رغم كلّ الجهود التي يبذلها العدوّ وتستنزفه عسكريّاً واقتصادياً، لأنّها ظروفٌ شاذّة لا تملك أسباب الاستمرار..
والمعركة في حقيقتها هنا معركةُ ثبات ومُصابرةٍ، والعدو الصّليبيّ يحاول بكلّ جهده وإمكانيّاته أن يغرس في نفوس المسلمين وأنصار الجهاد اليأس والقنوط من خلال التصوّر الذي نقله السّائل الكريم: بأنّ الأمر شبه محسوم عسكريّاً للمشروع الصّليبي الصّفوي في العراق، وهذه القضيّة من أهم ما يعوّل عليه العدوّ في صرف المسلمين عن أداء فريضة الجهاد أو نُصرة إخوانهم المجاهدين.. والحُكم على الشّيء -كما يُقال- فرعٌ عن تصوّره، فإذا تمكّن العدو من إقناع المسلمين بهذا التّصور الزائف الكاذب، فسيكون قد كسب جولة مهمّة في هذا الصّراع المقدّس بين الحقّ والباطل..
ونحنُ نقول إنّ الحكم على أيّ مشروع بالتقهقر له أماراتٌ لا يمكن تجاوزها، منها مثلاً تخلّيه عن مبادئه، ومداهنته لأعدائه، وانصراف قادته لمشاريع أخرى أو تولّيهم الدّبر والعياذ بالله..
فهل حصل شيءٌ من ذلك مع دولة العراق الإسلامية؟ هل تخلّى الإخوة عن ثوابتهم، أو داهنوا أعداءهم، أو تولّى قادتهم،...؟ تأريخ وواقع الدولة الإسلاميّة يُجيب بكلّ وضوحٍ وقوّةٍ بالنفي..
أما انحدار منحنى العمل العسكري؛ فمنذ البدء بمؤامرة الصحوات واختيار الإخوة التّخلّي عن مسك الأرض في مراكز المدن والعمل العسكري الميداني في تطوّر مستمر كمّاً ونوعاً، فليس هناك جمود في العمل العسكري في حقيقة الأمر بقدْر ما هو تغيّر في أساليب ووسائل المواجهة العسكريّة، فجنود الدولة الإسلامية كما سبق وذكرنا اختاروا اللجوء لحرب العصابات التي تستنزف العدو وتسلبه زمام المبادرة، وهم الآن يحدّدون شكل المواجهة ووقتها ومكانها بما يحقّق أهدافهم ويسرّع في عوامل انهيار الدّولة الصّفويّة.. وهذا في حقيقته مكسبٌ لصالح المجاهدين وإن تمّ تصويره إعلاميّاً على أنّه تراجعٌ أو جمود.

ومن جهةٍ أخرى فإنّ الضعف الذي يتهيّأ للبعض يرجعُ في جانبٍ كبيرٍ منه إلى التعتيم الإعلامي والتغييب المُتعمّد المُمنْهج لأعمال الدولة الإسلامية، فقِس مثلاً العمليّات العسكريّة للدولة الإسلامية لشهر واحد على أعمال جبهات جهادية أخرى لشهور؛ ستجد أن أعمال الدولة أكثر كمّاً وأنكى نوعاً، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن –مع الأسف- أكثر الناس تنطلي عليهم ألاعيب الإعلام المسموم..

ـ11 سؤال: وما هي خطة المجاهدين لإزالة هذا الجمود وإعادة العراق لاهتمام المسلمين كما كان في السابق, لِما لهذا الاهتمام منهم من الأثر المالي والبشري على المجاهدين الذي لا يخفى؟


ـالخطّة ببساطة هي السّعي المستمرّ لكسر التعتيم الإعلامي الرهيب، وكشف دور سحرة فرعون في تهميش المجاهدين وتشويه صورتهم وصّد النّاس عنهم، وفضح الهجمة الدعائية الضخمة التي تستهدف مشروع الجهاد في العراق المتمثّل بالدّولة الإسلاميّة، وهذا أمرٌ تتحمّل مسؤوليته جميع الجبهات الإعلامية الجهادية، مسؤوليةً تضامنية.. فلن تستطيع جهة واحدة تحمّل هذا العبء.
فإيصال حقيقة ثبات مشروع الدولة الإسلامية وانتصارها على كلّ المؤامرات رغم حداثة عهدها وضعف إمكانيّاتها في مقابل فشل مشروع الحكومة العلقمية المتآكلة رغم كلّ الدّعم والإمكانات التي أتيحت لها، وفضح كذب وبهتان وتضليل وسائل إعلام العدو؛ أبسط وأعظم خطة..

ـ12سؤال: إقامة القمة العربية في بغداد سيعني إعلان الانتصار ولو إعلامياً للحملة الصليبية وحلفائها الرافضة، وأن العمل الجهادي هو مجرد اضطراب قد يخمد بعد فترة, لاسيما وأن إمكانية نجاح الإقامة مرشح بشكل كبير نظراً لإمكانية حظر التجول لعدة أيام قبل القمة مما يصعب حتى إطلاق قذائف الهاون, فهل نتوقع مفاجآت سارة من جنود دولة الإسلام الفتية؟

 

 ـ عقد القمّة في بغداد أو أيّ مدينة أخرى في العراق لا يعني شيئاً كثيراً، فقد فقدت هذه القمم أي معنى أو تأثير على أرض الواقع وصارت موضعاً للتندّر والازدراء، فأيّ نصرٍ خائبٍ هذا الذي يبحثُ عنه هؤلاء، إلا إن كان المعنى أنّهم سيجعلون بغداد آمنة لبضعة أيّام أثناء انعقادها، طبعاً هم لا يعنون كلّ مناطق بغداد، بل بعض المناطق والشّوارع التي سيركّز عليها الإعلام.. وهل هذا إلا دليلٌ واضح على خيبتهم وضعفهم واهتزاز وضعهم الأمني..
أمّا استهداف هذه القمّة من قبل الدّولة الإسلاميّة إن قدّر الله انعقادها فلا يحتاج لتأكيد أو إعلان، والأمر ليس متعلّقاً بالمفاجآت لأنّ الدّولة لن تتوقّف يوماً عن ضرب مثل هذه الأهداف، وإن كان الأمر متعلّقاً بالمباغتة فالإخوة في وزارة الحرب -وفقهم الله- عندهم من الخطط ما لم تتمكّن كلّ وسائل الصليبيين والرّافضة في احتوائها ومنعها ولله الحمد.

ـ13 سؤال: أسهم مشروع الصحوات الخبيث في تقلص نفوذ الدولة جغرافياً بعد اختيار الدولة للانسحاب التكتيكي، فيتساءل البعض لماذا تصرون على التمسك بمسمى الدولة رغم فقدانكم للأرض؟


 ـ إنّ إنشاء دولةٍ إسلاميّة تُقيم دين الله وتحكم بشرعه غايةُ كلّ مسلمٍ صادقٍ غيور، وحلُمٌ لطالما راود المسلمين وبُذلت لأجله النّفوس والأموال، وهو هدفٌ مُعلنٌ للمجاهدين الصّادقين حيثما كانوا، ولا يُتصوّر لمن ينفرُ مقاتلاً في سبيل الله إلا أنّه يبتغي أن تكون كلمة الله هي العُليا في دولةٍ يُحكم فيها بشرع الله، وإلا لم يكن مجاهداً، وقد صحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من قاتل لتكون كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله"..

وقد قامت دولة الإسلام على أرض العراق مستندةً على أدلةٍ شرعيةٍ وحسيةٍ وعقليةٍ، وهي ليست بدعةً ابتدعناها، فمسمّى الدّولة الإسلاميّة مسمّى شرعيّ تحقّق مُقتضاه واجتمعت أسبابُ وجوده واقعاً حقيقيّاً على الأرض، ببيعةٍ وإمارةٍ وشوكةٍ أقرّ بها العدوّ قبل الصّديق، وكان نتاجاً طبيعيّاً جداً للجهاد الشّرعي الذي أينعت ثماره وارتوت شجرته بدماء الشهداء..
كما إنّه كان ضرورة ملحّة لحسم مادّة الخلاف وسدّ هذه الثّغرة الكُبرى بجمع كلمة المسلمين تحت راية واحدة، والحيلولة دون سرقة جهودهم التي خُطّط لها في دول الجوار بمؤامرة كانت واضحة المعالم عند قادة الجهاد في ذلك الوقت، ورحم الله الشّيخ أبا عمر حين قال: (إننا حينما أعلنّا دولة الإسلام لم نكن فحسب نحاول قطف الثمرة بعد نضوجها، بل إن الثمرة سقطت سقوطاً حراً فالتقطناها قبل وقوعها في الوحل، وصارت في أيدينا أمينة نظيفة).
فماذا ينقم هؤلاء من هذا المسمّى، وما هي المصلحة التي يرونها بالتراجع خطوة للوراء وإعلان سقوط دولة الإسلام في العراق التي أرعبت بقيامها حلف الصّليبيّين وأفشلت خططهم، وصمدت بوجه أعتى قوى الشّر وأضخم ترسانات الحروب، ومؤامراتٍ يشيب لها الولدان، ووالله ما انحاز أصحابها عن أراضي المسلمين التي حكموها بشرع الله إلا بآلاف الشهداء، فما غيّروا وما بدّلوا ولم يزدهم ذلك إلا ثباتاً وإصراراً وتوكّلاً على الله، وهم ماضون في استعادة ما أخذ منهم بإذن الله..
ثمّ ما هو البديل لدى هؤلاء المتنطّعين ونحن نرى مصير من تخلّف عن ركب الاجتماع منهم وأبى الانضمام للدّولة الإسلاميّة كيف تفرّقت قياداتهم وانشطرت وتنازعت!!، ولم تسلم من هذه الآفة أيّ جماعة وبلا استثناء، أفليس حريّاً بمن يطالب بقتل هذا الأمل اليوم ووأد مشروع الخلافة المرتقبة أن يؤازر هذه الدولة التي ما وجدت إلا لدفع هذه المفاسد التي يعيشونها اليوم..
وسؤالٌ مشروعٌ آخر: لمَ لمْ يُنكر هؤلاء على مسمّى (الإمارة الإسلامية في أفغانستان) أعزّها الله تعالى ومكن لها في الأرض، ألم ينسحب أميرُ المؤمنين الملا محمد عمر والطالبان للجبال بضغط التحالف الصّليبيّ متحرّفين لقتال!؟ ثم هاهم عادوا وكروا على الصليب وأهله وأوليائه وساموهم سوءَ العذاب، وهم اليوم يسيطرون على أجزاء كبيرة من أرض أفغانستان سيطرة كاملة..
لم نسمع أحداً أنكر على إخوتنا الأفغان تمسكهم بمسمى (الإمارة)، قبل الإعلان، وبعد الإعلان، وقبل الانسحاب وبعد الانسحاب وبعد العودة للتمكين!
ونقول لمن وجدوا في هذه الشّبهة غطاءً والتمسوا فيه عُذراً لتخلّفهم عن واجبٍ شرعيٍّ لا يختلف فيه مسلمان ولا ينتطح في مفاسد الإعراض عنه عنزان؛ أن يتّقوا الله، فوالله لئن قدّر الله زوال هذه الدّولة ونجح الحلف الصّليبيّ الرافضيّ في مشروعه فلن يكون حالهم إلا كما قيل (أُكلت يوم أكل الثّور الأبيض)، وحينها ليتمنّينّ أحدهم لو كان قد فَعَل ما فَعَل ابنُ عبّاد في الأندلس وقالَ قَوْلَته: (رعيُ الإبل ولا رعيُ الخنازير)... ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.

ـ14سؤال: سمعنا مؤخّرًا بأن حكومة المنطقة الخضراء تقوم باتباع الأسلوب الصهيوني مع أسر الشهداء, وهو الأسر أو التشريد, فهل هذا صحيح؟

 

ـفُجور ودناءة الحكومة الصّفويّة في التّعامل مع كلّ ما هو سنّي لا يمكن مقارنته حتى بأفعال اليهود مع المسلمين؛ لأنّهم تجاوزوهم بمراحل، وأمّا التعرّض لأسر المجاهدين الشهداء منهم والأحياء فما الجديد في ذلك؟، وهذا الأمر مستمرّ منذ أنْ بدأ الجهاد وسَنَّهُ الأمريكان أنفسهم أصحاب شعارات حقوق الإنسان..
والكلّ يتذكّر ما كانت تفعل عصابات الجيش الأمريكي ومُرتزقتهم في نسف بيوت المجاهدين وقتل ذويهم في فرشهم وتشريد عوائلهم، بل حتى اعتقال النّساء والصّبية للضغط على المجاهدين لتسليم أنفسهم أو محاولة إجبارهم على الاعتراف في غرف التّحقيق، ثمّ أسلموا الراية لمن بعدهم من الرّافضة الحاقدين، فما جرى على أهل السنّة في العراق في بعض وجوهه يفوق ما سطّره التأريخ عن جرائم التّتار بلا مبالغة، ولولا فضل الله ورحمته للنّاس بظهور المجاهدين لكان لوضع السنّة اليوم في العراق شأنٌ آخر.

ـ15سؤال: يروِّج الإعلام العميل للصليبيين الكثير من الأقاويل عن الدولة، منها أنّ الدولة تقتل مخالفيها, فما هو ردكم على هذه التهمة؟

ـ إن كان المقصود من صفة المخالفين هم شيوخ الصّحوة وأئمة الكفر المنتسبون زوراً للسنّة من الذين ارتدّوا على أعقابهم وصاروا جزءاً من مشروع الأمريكان أو الرّافضة في حرب المجاهدين والحكم بالشّريعة الإسلاميّة، فهذا حقّ من هذا الوجه وأنعِم بها من تُهمة، وإن لم تستوعبها عقول من لم يفهم حقيقة الإسلام وما بُعث به الرّسل عليهم الصلاة والسّلام، بل إنّنا نتقرّبُ إلى الله بقتل هؤلاء ونفرحُ بذلك ونُعلنه, ونحسبُ أننا بذلك ننصُر ديننا ونتقرّب إلى الله بأفضل ما أمر به وهو جهاد الكفّار وقتال أئمّة الكفر والتنكيل بهم..
أمّا إن كان القصد من صفة المخالفين من خالَفَنا من المسلمين، سواءً من الجماعات الجهادية أو عوامّ النّاس في أيّ مسألة لا تُخرج المخالف عن دائرة الإسلام، أيّاً كانت هذه المسألة الخلافيّة -وفي مقدّمة ذلك إعلان الدّولة الإسلاميّة-, فهذا بهتانٌ وفِريةٌ ساقطة افتراها الأعداء وإعلامهم الفاجر، واستغلّها المنافقون والمُنحرفون الذين امتلأت قلوبهم غيظاً وغِلاً عندما أُعلنت الدّولة المُباركة وسُحب البساط من تحت أرجلهم، وكان أذاناً بفشل مشروعهم الخيانيّ الذي دُبّر بليل لخطف ثمرة الجهاد في العراق.
ونتحدى أيّاً كان أن يُثبت بأن الدولة تتقصّد قتل المسلمين، أو أنّ قادتها يأمرون بذلك والعياذ بالله.. فالدّولة الإسلاميّة تجاوزت عن طوائف كفريّة لا تنتسب للإسلام أصلاً ولم تتعرّض لهم ابتداءً ما لم يُباشروا بالحرب، فكيف بالمسلم المعصوم الدم!!..
ومثلُ هذه التّهم وأسوأ منها كنّا نسمعها من العدو قبل إعلان الدّولة ومنذ أيّام الشيخ أبي مصعب رحمه الله، فمنذ سطوع شمس الجهاد واستواء شجرته؛ والدّعاية المُعادية لم تتوقّف عن وصف المجاهدين بما ينفّر النّاس عنهم وعن دعوتهم، وهذه سنّة كونيّة في الصّراع بين الحقّ والباطل لم يسلم منها حتى أنبياء الله عليهم الصلاة والسّلام، وناله مما نالهم كلّ من سارَ على دربهم واقتفى أثرهم، وكما حكى القرآن على لسان فرعون عن موسى عليه السّلام: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ)
لكن الأمر توسّع بعد إعلان الدّولة وزاد شرّه وتأثيره؛ لأنّ الذي تولّى كبره هذه المرّة أناسٌ لطالما أشير إليهم على أنّهم مقاومون لمشروع الاحتلال، فكانت فتنتهم شديدة، وصارت تهمٌ مثل الغلو والجهل واستحلال الدّماء المعصومة أو الاستهانة بأرواحهم وارتكاب المعاصي التي يترفّع عنها فسّاق المسلمين تُصدر فيها بياناتٌ ويُروّجُ لها الإعلام، فانخدع بفتنتها حتى بعضُ من كنّا نحسبهم أنصاراً للدّولة يحمون ظهرها ويدفعون عنها العادية، وقد قال الله عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).

ـ16 سؤال: يزعم البعض بأن الدولة ليس عندها مرونة في التعامل مع المخالفين، ويرون أن هذا هو سبب صعوبة مسألة التوحد، بخلاف الجماعات الجهادية الأخرى كالصومال مثلاً أو أفغانستان، فما قولكم في ذلك حفظكم الله؟ـ
 

- الذي نفهمه أن السّائل يقصد المخالفين للدّولة من المسلمين، وخاصّة الجماعات السنّية المجاهدة، فأمّا الزّعم بأنّ فيها شدّة في التعامل مع الغير، فقد يكون هذا التّصور لدى من نُحسن الظّن بهم ناتجاً عن طبيعة الخطاب الإعلاميّ للدّولة الإسلاميّة، والذي يتّسم بالشّدة والقوّة لأسبابٍ معروفة عائدةٌ بمعظمها للحرب الشّرسة التي تُخاض ضدها على عدة جبهات..
لكن السّياسة العامة في التّعامل الفعلي على الأرض مع المسلمين -وخاصة الجماعات السّنية الصّادقة بجهادها- فخلاف ذلك ولله الحمد، وحتى لا يكون الكلام إنشائياً مجرّداً في تكذيب هذه الشّبهة وردّها، نذكر موقفين للشيخ المهاجر رحمه الله -وهو وزير حرب الدّولة الأول ومن أكثر مَن كِيلت له هذه التّهمُ زوراً-، ليرى النّاس مستوى الرّفق واللّين الذي وصلت إليه قيادة الدّولة الإسلاميّة مع مخالفيها وهي في أوج قوّتها وتمكينها تأليفاً للقلوب وتغليباً لمصلحة الاجتماع:

الأول: حدث بعد إعلان الدّولة الإسلاميّة وانتشار نفوذها في أغلب مناطق السنّة، في هذه المرحلة بدأت جولات مكثّفة من الاتّصالات والحوارات مع بعض القيادات التي رفضت الانضمام لمشروع الدّولة، وكان منها جماعة ظلّت ترفض الاجتماع بل وحتى اللّقاء على مستوى القيادة بذرائع شتّى، ثمّ تطوّر الأمر وظهرت علامات خطيرة فيما يمكن أن تتطور إليه الأمور مع تلك الجماعة.
وقد صُدم الشّيخ المهاجر -رحمه الله- يومها من هذه المواقف، فاستأذن أمير المؤمنين -رحمه الله- أن يكتب رسالة يُبرئ بها ذمّته أمام الله، خاصّة وأنّ التّهم التي أشاعتها تلك الجماعة عرّضت به شخصيّاً، وكان رحمه الله قد أعاد كتابة الرسالة بمعناها قُبيل مقتله توثيقاً لمسألة حصلت حينها، وهذا نصّ ما كتب الشيخ المهاجر بيده إلى أمير تلك الجماعة -الذي قدّر الله أن يؤسر بعد ذلك- ونحن نذكرها هنا إنصافاً للشّيخ رحمه الله، وحتى تتبيّن الحقائق بلا رتوش:
 ( من أبي حمزة المهاجر إلى أخيه (----)، إن كانت المسألة مسألة حقوق ومظالم فتعال أخي إلى الوحدة، وأنا شخصياً باعتباري قائداً للجيش متنازل عن ذلك لك، وحتى لا تتكرر المظالم كما ذكرتَ، بل وأرضى أن أكون حارساً على باب بيتك أذود عنك بدمي، وأكثر من ذلك أقبّل نعالك ونعال أصغر جندي فيكم سنّاً حتى ترضوا، وأما عن بقية المظالم وبموافقة أمير المؤمنين نسلّم لكم القضاء لتحكموا بشرع الله فينا وفيكم، وفي كل مظلمة بما يرضي ربنا ويدفع مسيرتنا، وإن كانت ثمة مظالم مالية أخذتموها كلها وزيادة، بل وأطلعناكم على كل ما عندنا من مال فما أخذتم أحب إلينا مما تركتم، ولا نشترط شرطا إلا عدم المساس بمشروع الدولة أو أميرها))، ثم ختم الرسالة بقوله: (فإن أبيت الجماعة بعد هذا فاحتفظ بهذه الرسالة وضعها في قبري بعد موتي أحاججك بها يوم القيامة)
ولا ندري بعد مستوى الخطاب هذا في التذلّل والتجرّد واتّهام النّفس وخفض الجناح للمسلمين ما هي المُرونة التي يُطالبوننا بها، إلا أن نتخلّى عن جهادنا ونخون الأمانة التي وصلتنا ونبيع دماءً سُفكت لبنائها والدّفاع عنها، ويتراجع الجهاد خطواتٍ إلى الوراء إرضاءً لهذه الجهة أو تلك، وحتّى هذه من يضمنها والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرّفها حيث يشاء، ولا حول ولا قوّة إلا بالله..
الموقف الثاني: حصل في نفس الفترة –أي بعد إعلان الدّولة- حيث بدأت حملة لدعوة المجاهدين في الفصائل التي رفضت قياداتها الاجتماع تحت خيمة الدّولة، وكان الشّيخ المهاجر وغيره من القادة يلتقون الوفود ليعرضوا عليهم المشروع الجديد وأنه مشروعهم وليس خاصّاً بجماعة معيّنة، وكان حريصاً جداً على إزالةِ الشّبهات التي علقت في أذهانهم..
فكانت بعض الوفود تأتي متأثّرة بمثل هذه المزاعم وفي نفسها أشياء وأشياء من هذا الأمر، ويدوم النّقاش لساعات طويلة ويتشعّب، ويُفاجؤون من حجم التّشويه والكذب الذي يُشاع عن الدّولة والقائمين عليها، فيقول لهم: اكتبوا رؤيتكم للموضوع وما تشترطوه للاجتماع ولا تتحرّجوا في عرض أي شيء على أن تكون شروطاً لا تُصادم شرع الله ولا تتعرّض لمشروع الدّولة وأميرها، ثمّ لما يأتي الوفد للّقاء وقد كتبوا شروطهم على الورق، يأخذها الشيخ -رحمه الله- ويطويها ويضعها في جيبه ويقول: قبلت بشروطكم، فيقولون: ألا تقرأها!، فيقول: قبلت بها كلّها، هلمّوا للبيعة أيها الإخوة.
وهذا الموقف تكرّر أكثر من مرّة، وحصل والدّولة في أوج قوّتها والمناطق تسقط بيد مجاهديها تباعاً والعدو ينسحب بصورة مرتبكة وغير منظمة من أغلب نقاط المواجهة وقد أرهقته ضربات المجاهدين، فهذا النّوع من التّعامل لم يكن وليد ظرف معيّن أو أمراً طارئاً، بل سياسة عامّة راسخة لم نحِد عنها ولله الحمد، وكانت سبباً لدخول الآلاف من المجاهدين خيمة الدّولة الإسلاميّة في أسابيع قليلة ذابت فيها الكثير من المسمّيات لصالح مشروع الدّولة وهذا باعتراف الأعداء..
وقد أعلن الشّيخ أبو عمر البغدادي -رحمه الله- هذا الموقف مراراً في خطابات مسجّلة صوتيّاً، كان آخرها ما أعلنه من المبادرة التي حاولت قطع حجج المتلجلجين والمتردّدين الرّاكضين خلف الشّبه..

ـ17 سؤال: عرض الشيخ أبو عمر البغدادي تقبله الله, خطة مصالحة ولمّ شمل مع فصائل الجهاد الأخرى, وذلك قبيل استشهاده, وقد شاهدنا ردوداً إيجابية من عدة فصائل قالت أنها تواصلت معكم, فهل من تقدم في ذلك المشروع أم أنه انتهى باستشهاد الأمير؟ وما تقييمكم لمدى التفاعل مع المبادرة؟ وكيف تقيمون نتائجها؟

ـ المبادرة التي أعلن عنها الشّيخ -رحمه الله- لم تكن نقطة الانطلاق في مساعي الاجتماع وتوحيد كلمة المجاهدين، وإنّما كانت مبادرةً مُعلنةً استمراراً لما كانت الدّولة الإسلاميّة تمارسه على أرض الواقع منذ نشأتها بل وحتى قبل ذلك بكثير، ولا يصحّ القولُ أن مسألة الاجتماع وتوحيد الصّف مرحلةٌ تُحيا بمبادرة وتموت بموت صاحبها، بل هي فريضةٌ واجبةٌ لا قيام للدّين إلا بها..
 لكن رأي المشايخ كان أن يتم تحريك هذه القضيّة المصيريّة بمبادرة محدّدة المعالم تُطرح علناً وتدعو من تخلّف عن الرّكب للّحاق به، وتذلّل أي عقبة أو حجة يتذرّعُ بها المتخلّفون، وقد قطعت المبادرة بأسلوبها السّهل الممتنع كلّ طريقٍ على هؤلاء، ووجدنا بركتها ولا زلنا على أرض الواقع، لكن ليس على مستوى القيادات لأنّ المسألة عندهم أعقد مما يظنّ البعض والله المُستعان، نسأل الله أن يجمع كلمة المجاهدين ويوحّد صفّهم على ما يرضيه وبالكيفيّة التي تُرضيه..

ـ18سؤال: كان سائداً في أوساط المتابعين أن الأنصار والدولة هما وجهان لعملة واحدة من الناحية التنظيمية وأن الأمر لا يعدو مسألة وقت. لكن تبين خلاف ذلك.فهل هناك بوادر للتوحد مع الأنصار؟ وما هي أهم المعوقات التي تحول دون انضمام الإخوة خصوصاً ونحن نرى بركات التوحد في الصومال الحبيب بين الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي؟

 

ـ جماعة أنصار الإسلام جماعة سُنّية جهاديّة عاملة ومن أهل السّابقة في الجهاد، وهم إخوتنا في الدّين نحسبهم على خيرٍ والله حسيبهم، وهم يتأوّلون أنّ اجتماعهم مع الدولة الإسلاميّة وانضمامهم تحت راية واحدة معها ليس فيه مصلحةٌ راجحة، هذا على الأقلّ ما قرأه الجميع في بياناتهم المُعلنة.
ونحن نؤمن أنّه ليس في هذه الفُرقة بين الدّولة وأي جماعة سنّية صادقة أيّة مصلحة، بل مفاسدُ محضة جرّت على المسلمين مصائب عظيمة ولا زالت، ونرى أنّ الخير كلّه في الاجتماع تحت راية واحدة بجيش واحدٍ وإمارةٍ واحدة، لأنّ ذلك مقتضى نصوص الكتاب والسنّة والفطر السّليمة..
أمّا بوادر التوحّد مع الأنصار، فالحمد لله لم ولن نتوقّف عن سلوك كلّ الطّرق الممكنة لجمع الكلمة، وكان هناك مشروع بهذا الاتجاه قبيل عيد الأضحى الفائت، لكن قدّر الله أمراً آخر..
أمّا المعوّقات التي تحول دون الانضمام: فلا نرى من جانبنا أيّ معوّقات أو موانع معتبرة تحول دون الاجتماع، ونحن منفتحون بإذن الله للحوار ولن نتوقّف عن الدّعوة إلى توحيد الصّف تحت راية واحدة لأنّه أمرٌ شرعي لا يمكن تجاوزه ابتداءً، ولأنّنا نلمسُ في كلّ يوم نتائج هذه الفُرقة، والإخوة في الأنصار يعلمون ذلك جيداً جداً، ويبقى إن كانت هناك معوّقات يرونها ولا يراها غيرهم فالأولى أن يوجّه السّؤال إليهم، نسأل الله أن يُبرم لهذه الطّائفة أمر رُشد ويجمعهم على خير.

ـ19سؤال: وهل الدولة مستعدة لعمل تنازلات حقيقية مثل التنازل عن مناصب قيادية في الدولة لتحقيق التآلف والوحدة؟

ـ سبق توضيح الموقف من مسألة ما سمّاه السّائل الكريم "مناصب قياديّة" على لسان الشّيخ المهاجر -رحمه الله- في إجابةٍ سابقة، وهذه مسألة جدليّة في حقيقتها، أي إنّها تُصوّر على أنها مشكلة وهي غير ذلك تماماً، وهل يُظنّ أنّ قيادات الدّولة اليوم مثلاً هم من جماعة واحدة أو جهة بعينها كما يشغُب بذلك إعلام الكفّار بإصرار لا تخفى دوافعه، وهل لو انضمّت جماعة معيّنة للدّولة فسيكونون كلهم جنوداً -مثلاً- بإمرة من هو موجود على كلّ مستويات القيادة؟..
هذا غير صحيح، بل لا يُمكن تصوّره ولم تجرِ الأمور على هذا النّحو مطلقاً، ويمكن القول أنّ العكس هو الذي حصل تماماً، فمعظم قيادات الدّولة اليوم هم ممّن انضمّ للعمل بعد تأسيس مجلس شورى المجاهدين ثمّ إعلان الدّولة وهذا أمرٌ معروف مشهور، وهذا يصدُق على كلّ السلّم القيادي من مجلس الشّورى والوزراء والولاة وأمراء القواطع..
ثمّ عن أي مناصب نتحدّث بحيث يُصوّر الأمر وكأنّها مغانم يُتنازع عليها وتكون سبباً للخصومة وشقّ صف المسلمين طيلة هذه الفترة، وهل يُظنّ بمن يتولّى أمراً في هذه الدّولة الفتيّة التي حاصرها الأعداء واجتمعت مللُ الكفر من كلّ حدب وصوبٍ لقتالها في هذه المساحة الضّيقة من الأرض، وفي معمعة المعارك الشّرسة التي تخوضها على أكثر من جبهة مع عدوٍّ فاجر، هل يُظنّ أن تكون المناصبُ فيها غير تطليقٍ للدّنيا وأذيّةٍ للأهل والولَد وأن يلتحف صاحبها الحزام النّاسف ممسكاً زر التنفيذ بيده أينما ذهب موطّناً نفسه للموت!..
وحتّى تكون الصّورة أوضح نذكر أمراً حصل بُعيد إعلان الدّولة، وكانت إحدى الجماعات اشترط أميرها أن يبقى على رأس جماعته بعد البيعة، واُقرّ على ذلك تحقيقاً لمصلحة الاجتماع، وبعد البيعة والانغماس في الحرب والقتال الذي كان على أشدّه في كافّة الولايات، طلب الرّجل إعفاءه من تلك الإمارة لأنّه لم يتحمّل تبعاتها لطبيعة المعارك التي تخوضها الدولة مع العدو وشدّتها..
وقِس على هذا الأمر لتعلم أنّ "المناصب" التي نتحدث عنها أمرها شديدٌ ولا تدوم لصاحبها طويلاً قبل أن يترجّل ويلقى ربّه، وعزّ اليوم من الرّجال من يتحمّل مثل هذه المسؤوليّة التي حُفّت بكلّ أنواع المكاره والأذى.. وجزى الله خيراً من جاءنا يحمل عنّا ويخفّف جزءاً من هذا التّكليف.. وهل مثلُ هذه النّعمة تُردّ!..

ـ20سؤال: وهل من نداء توجهونه للإخوة في جماعة أنصار الإسلام والجماعات الأخرى؟

 ـ نقول لهم: إنّ مشروع الدّولة الإسلاميّة ليس مشروع جماعة بعينها بل هو مشروع أمّة، والأحرى أن يكون مشروعكم أنتم، والأولى بمن صحّ منهجه وأخلص جهاده مثلكم ألاّ يتأخر أكثر من ذلك، وانتم تعرفون حقّ المعرفة منهج القائمين عليه وصدق ما يسعون إليه..
وإنّه والله ليومُ فرحٍ عظيم أن نراكم إخوة الدّين والمنهج في خيمة واحدة نسدّ بها ثغرة كبيرة لا زال الأعداء والمُغرضون ينفذون منها للطّعن في المجاهدين وتشويه سمعتهم وتفريق صفّهم والتّمكين للرافضة الصّفويّين، ونقول لكلّ مسلمٍ موحّد مجاهدٍ في سبيل الله: إنّ القلوب مفتوحة لكم ولن نزال بكم لا نملّ من دعوتكم والتذلّل إليكم حتى ينشرح صدركم لهذا الخير العظيم بإذن الله.

ـ21 سؤال: في الأشهر الأخيرة برز حديث متصل -في أوساط مراكز الدراسات التي تتناول الجماعات المقاتلة في العراق- عن تعاون ميداني بين دولة العراق الإسلامية وفصائل وطنية وصوفية، فهل ثمة تعاون من هذا النوع؟ وإذا كان موجوداً فعلى أي أساس استراتيجي؟ أم هو مجرد التقاء تكتيكي لإضعاف الرافضة وحكومتهم؟

 ـ لا يوجد أي تعامل مع مثل هذه الجهات التي وصفتها بالوطنيّة والصّوفيّة، ولا نرى صدقيّة مثل هذه الدّراسات إن وجدت أو التّعويل عليها.

ـ22 سؤال: سمعنا عن انشقاق الجيش الإسلامي؛ قادة الميدان عن الخارج, فما تعليقكم على هذا؟
 
 ـ هذا شيءٌ غير مُستغرب ولن يتوقّف عند حدّ معيّن، وكلّما مرّ الوقت وزاد انحراف هذه القيادات بانَت حقيقتها وظهرت خيانتها بجلاء أكبر، وهذا من علامات اعوجاج المنهج وفساد الغاية، أي: التشتّت والانقسام والانشقاق بدل الاجتماع والائتلاف والوحدة.. وهذا الأمر يراه كلّ مُنصف، إذ لم تسلم أيّ جماعة رفضت الاجتماع من هذه الآفة ولا نستثني أحداً..
وكما يُقال فإنّ الجزاء من جنس العمل، فمن تخلّف عن الرّكب واستقلّ برايته وجماعته وسوّغ هذا الأمر بحجج متهافتة أو طعن في مشروع الدّولة الإسلاميّة التي ما وُجدت إلا لدرء هذه المفاسد ليبرّر تخلّفه، أو جمع الشّيئين معاً، ابتُلي بهذه البلوى، فترى الانشقاقات وتراشق الاتهامات والفجور في الخصومة، نسأل الله العفو والعافية..

ـ23 سؤال: قد بات واضحاً أن إقليم كردستان في طريقه إلى الانفصال الكلي عن العراق على غرار ما حدث في استفتاء جنوب السودان، فكيف سيؤثر ذلك برأيكم على المشروع الجهادي؟

 ـ هذا الإقليم على أرض الواقع منفصل فعلياً عن باقي أجزاء العراق منذ تسعينيات القرن الماضي برعاية وإشراف مباشرٍ ومُعلن من الأمريكان واليهود، والعلاقة بينه وبين الحكومة في بغداد بعد الغزو الأمريكي علاقة شكليّة انتهازيّة متعلّقة بأمرين رئيسيّين: الحصول على نسبة من أموال النّفط التي تذهب لجيوب الأحزاب الكرديّة المتنفذة في كردستان، فهم حريصون في الحقيقة على بقاء هذه العلاقة لأطول فترة والانتفاع بهذه العائدات المنهوبة قبل إعلان انفصالهم الحقيقي المُرتقب.
والأمر الثاني الظهور بمظهرِ من لا يستفز دول الجوار التي تتخوّف من هكذا إعلان في هذا الوقت، وفي كلّ الأحوال فإنّ النّاظر لمُجريات اللعبة السّياسيّة وتقاسم السلطة في بغداد يعلم أن الأحزاب الكرديّة هي أكثر الأحزاب المُستفيدة ممّا يجري، وهذا ما يدفعهم لتأجيل الإعلان الرسمي عن دولتهم القوميّة العلمانيّة...
أما تأثير مثل هذه التّركيبة السّياسيّة على مشروع الجهاد فلن يكون كبيراً، خاصّة وأنّه لم يتغيّر شيءٌ كبير وحقيقي على الأرض منذ أن قام الجهاد ووقف على قدميه وصلب عوده، كما إنّ بوادر الخير في تلك المناطق في ازدياد ولله الحمد.

ـ24 سؤال: رأينا في إصدار "العبوات أنجع" مدى التقدم الذي وصلت له دولة العراق الإسلامية في مجال التصنيع الحربي, فهل سيتم تصدير هذه التقنيات والخبرات إلى باقي الجبهات في فلسطين والصومال وأفغانستان وغيرها؟

 ـ إنّ أهم رسالة -فيما أظنّ- أراد الإخوة في مؤسّسة الفرقان إيصالها ليس بيان مدى تقدّم الدّولة في مجال التّصنيع الحربي، فالتّقنيّات المستخدمة بسيطة ومتيسّرة في معظم البلدان ولا يحتاج فيها المسلم الموحّد إلا أن يُخلص نيّته ويعقد عزيمته ويتوكّل على الله، وقد كان المقترح كما علمنا أن يكون إسم الإصدار (العبوات سلاح المستضعفين) قبل أن يستقرّ الرأي على عنوانه الأخير..
فالرسالة الرئيسيّة كانت تحريض المُسلمين وتجرئتهم وكسر الحاجز النّفسي الذي تولّد من تراكمات عقود القهر والاستعباد، والذي جعل أجيالاً من الأمّة تظنّ في أمريكا دولةً عظمى كما يسمّونها ولا يمكن قهرها أو التّعرض لوكلائها من مرتدّي العرب في المنطقة، حتى صار الجهاد الذي هو أظهر ما في الإسلام وذروته أمراً مغيّباً لا يكاد يُذكر إلا في كتب الأوّلين، أو في جبهاتٍ معيّنة نفرت إليها مجموعة من الشباب "المتهوّر" كما يصفونهم..

والحقّ أنّ هذه "الامبراطورية" أُلجمت في العراق وسقطت هالتها التي خدعت بها المغفّلين في العالم عقوداً من الزّمن، وظهرت حقيقة ضعفها وعدم قدرتها على مجابهة عدوٍّ لا يمكن مقارنة إمكانيّاته عدداً وعُدّة بما لديها، فالذي قارع أمريكا وأذاقها مرارة الهزيمة والانكسار ليست دولة "عُظمى" مكافئة لها من حيث الإمكانيات الماديّة.. بل ثلّة مؤمنة من الفقراء الغرباء مجاهيل الأسماء، لا يعرفهم النّاس إلا بالكنى، يفترشون الأرض ويلتحفون السّماء، ثبّتهم الله واصطفاهم لإحياء فريضة الجهاد العظيمة التي لن تذوق الأمة العزة والأمن والرّخاء إلا بها، هؤلاء وبإمكانياتهم البسيطة الذّاتيّة قبروا مشروع أمريكا وكسروا هيبتها وهزموا جيشها وجعلوها أضحوكةً بين الأمم تستجدي من ينقذها من المرتزقة وشذّاذ النّاس..
هذا الذي نريدُ لشباب الأمّة وشيوخها أن يفهموه، أنّ مجابهة هذه القوّة الكافرة بالله والمتغطرسة المتسلّطة على عباده المؤمنين لا يُشترط له التّكافؤ المادّي الذي لم يكن يوماً سبباً لنصر المؤمنين كما يُخبرنا القرآن ويثبتُه التأريخ والواقع، وكان من أنجع الوسائل التي استخدمها المجاهدون في حرب الأمريكان وأذنابهم والنّكاية بهم هو سلاح العبوات، فهو حقّاً سلاحُ المستضعفين الذي لم يجد له العدوّ حلاً.

ـ25 سؤال: هل ما زال باب الهِجرة إلى دولة العراق الإسلامية مفتوحاً؟

 ـ سبحان الله، ومن أوصده! ونقول لمن أثقلت قدميه شبهُ المخذّلين والمنافقين وإعلام الكفّار: إنّ دولتكم الإسلاميّة في أمسّ الحاجة إليكم، وقد سأل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم رجلاً جاء لحاجةٍ عن حاجته، فقال: سمعتُ رجالاً من أصحابك يقولون قد انقطعت الهجرة!، فقال له: (لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفّار)...
ونحنُ نقول لكلّ مسلمٍ كلّفه الله بهذه الفريضة ووصله صوتنا: لن تنقطع الهجرة إلى أرض الخلافة ما قوتل فيها الكفّار، فهل من مشمّر؟.

ـ26 سؤال: يلاحظ البعض ضعفاً في الجانب الإعلامي للدولة, إن كان من ناحية تعاملها مع الهجمة الشرسة التي شنت عليها سابقاً, وإن كان من ناحية الإصدارات المرئية والتي لا تتناسب مع العمل القوي الذي تقوم به الدولة على الأرض, فما سبب ذلك؟ وما هي استراتيجيتكم لتصحيح ذلك؟

 ـ هذا أمرٌ صحيحٌ من وجهة معيّنة ولا يمكن إنكاره والله المستعان، وله أسبابٌ معروفة مشخّصة عند الإخوة هنا وهم يسعون لتجاوزها بما أمكن من الوسائل..
فالإعلام سلاحٌ خطير جداً لمن امتلك أسبابه، بل هو أخطر وأبلغُ في النّكاية وحسم الحروب المُعاصرة من أيّ سلاحٍ آخر، ولا تخفى هذه الحقيقة عن عدوّنا فهو يدركها جيداً جداً، لذلك لم يترك سبيلاً يحرم المجاهدين من امتلاك هذا السّلاح إلا سلكه وطرق بابه..
ومن ذلك: التركيز وتسخير كلّ الإمكانيّات لملاحقة وتصفية الكفاءات الإعلاميّة للدّولة الإسلاميّة على وجه الخصوص وبصورة لا هوادة فيها.. والذي يستمع للخطاب الإعلامي للغرب في حديثهم عن تحرير وسائل الإعلام يُدرك درجة النّفاق والخداع الكبيرة التي يتعاملون بها مع العالم، وقد شهدنا كيف يتم قتلُ الإخوة الإعلاميّين في مقاهي "الإنترنت" والشّوارع من قبل الصّليبيين ومرتزقة شركاتهم الأمنيّة حتى قبل الاعتقال لمجرّد الاشتباه بكونهم من مجاهدي الدّولة الإسلاميّة، أو ضرب مكتبٍ إعلاميّ وقصفه لتدميره على من فيه في الوقت الذي يصمّون آذان النّاس بالحديث عن "حريّة الرأي" و"حريّة التعبير" وغيرها من الشّعارات الزائفة..

ومن ذلك أيضاً سياسة التّعتيم الإعلامي والإرهاب الفكري الذي يمارسه العدوّ مع كلّ ما له صلةٌ بالدّولة الإسلاميّة، ففي أيّام الجهاد الأولى في العراق كانت التغطية الإعلاميّة لما يجري من العمليّات الجهاديّة على قلّتها -مقارنة بحجمها الحالي-، خارجة بعض الشّيء عن سيطرة الأمريكان لأنّهم فوجئوا بحجم التحدّي الجديد للمجاهدين ولم يحسبوا له حسابه، لكنّهم فهموا الدّرس بعد ذلك وسَعوا خلال الفترة الماضية لاستدراك ما فاتهم، فمشروع الدولة الإسلامية الذي يعيشُه الإخوةُ اليوم يتعرّضُ لأكبرِ حملةِ تغيّيب ممنهج من قبل وسائل الإعلام الحكومية والعالميّة بكل أنواعها وبمختلف أشكال موادها الدعائية.
والمتابع للقنوات الفضائية لن يجد عناءً في التعرّف على محاولات اغتيال هذا المشروع المبارك، من خلال طمس أي معلم من معالمه، وتتبع آثاره لمحوها، فرسالة الإعلام المُعادي اليوم واضحة جداً وبلا لبس وهي إقناع المتلقي بعدم وجود دولة إسلامية على الأرض! وأنّ مجاهدي الدولة قد تلاشوا في الفيافي، إما قتلاً أو أسراً!.
ومن ذلك أيضاً شحّة الوسائل الإعلاميّة المتيسّرة للمجاهدين لإيصال صوتهم، فالفسحة الوحيدة تقريباً التي يمكنهم الإطلال من خلالها على العالم هي الشبكة الدّوليّة "الإنترنت"، وحتى هذه الوسيلة الأصلُ فيها أنّها سلاحٌ ذو حدّين، رغم توفيق الله للمجاهدين وإبداعهم في استخدامها لصالح المسلمين ونُصرة قضاياهم، ولكن مع ذلك يبقى تأثير هذه الوسيلة على النّاس محدودا مقارنةً بغيرها من الوسائل التي يُحكم الطّواغيت زمام التّحكم فيها..
ومن ذلك أيضاً أنّ الصّوت الإعلامي المسموع لقادة الدّولة الإسلاميّة والذي تعوّده المسلمون من وزارة الإعلام اختفى بمقتل الشّيخين تقبّلهما الله، وكان الرأي الذي رآه الإخوة أن لا تظهر القيادة الجديدة بصوتها المباشر للإعلام في الوقت الحالي لمصلحة رجّحوها، وهذا ما أفقد الإخوة الإعلاميّين مادّة إعلاميّة مهمّة ومؤثّرة، خاصّة وأن الكثير من المسلمين لا يقدّر المصلحة من هذا الغياب، فيكون الضعف والتراجع هو التفسير الوحيد المعقول عندهم..
ومن ذلك أيضاً توسّع جبهات المواجهة مع الحملة الصّليبيّة وأذنابها خارج المناطق التّقليديّة في أفغانستان والعراق، فقد رأينا في بضع سنين ظهور جبهاتٍ جديدة وصعودها إلى واجهة الإعلام بصورة قويّة كجبهة الجزيرة العربيّة والمغرب الإسلامي وباكستان والصّومال وغيرها، وهذا من فضل الله العظيم على هذه الأمّة، ومن أعظم البراهين على ظهور الدّين ونصر الله لعباده المجاهدين وبداية انحسار السيطرة الصّليبيّة على بلاد المسلمين، وكان من النتائج الطّبيعيّة لهذا الأمر تقليل التّركيز على جبهة العراق الذي كان الواجهة الوحيدة تقريباً منتصف العقد الماضي، فقياسُ التّعامل الإعلامي مع الجهاد في العراق الآن مع ما كان قبل خمس سنين مثلاً قياسٌ مع الفارق..
ولكن من جهة أخرى فإنّ بعض ما قد يُفسّر ضعفاً في الإعلام يراهُ إخوة الإعلام تأنياً وتؤدة.. فهم يقدمون النّوع على الكمّ، ويستفرغون الوسع في نقل الأخبار بصدقيّة ما أمكنهم ذلك، رغم ظروفهم الصّعبة وانتشار رقعة العمليّات على مساحة شاسعة في ولايات الدّولة وخارجها، وكما علِمت فإنّهم يهملون الكثير من العمليّات ولا يُعلنون عنها لتقادمها أو لنقص في أركان الخبر تؤثّر على مصداقيّته، كما إنّهم يعملون على انتقاء أفضل الأعمال الإعلامية وأكثرها تأثيراً في المُخاطَب..
وتوجّه الإعلام اليوم يتناغم مع توجه الإخوة في وزارة الحرب إلى درجةٍ مّا، فالمقاتلون يبحثون عن أهداف نوعيّة ومؤثرة، تُصيب العدو بالذهول وتحطّم نفسية جنده.. فالعمل العسكري الرّتيب المعتاد لا يؤثّر كثيراً في العدوّ لأنّه استمرأ كفره واعتاد على عدوانه وجهّز نفسه لتحمّل تبعاته، ومثلُ هذا بحاجة لعملٍ نوعيٍّ يزلزلُ أركانه ويحطّم معنويّاته ويُفشل خططه.
وفي كلّ الأحوال فإننا نبشّر المسلمين بأن إعلام الجهاد في بلاد الرافدين في تقدمٍ وتطوّرٍ سريع كمّاً ونوعاً، بقوّة الله تعالى.

ـ27 سؤال: ما صحة ما تناقلته بعض وسائل الإعلام العميلة عن إلقاء القبض على الإخوة الإعلاميين في وزارة الإعلام؟

ـ نحنُ في حالة حرب مستمرّة بلا توقّف، والقتل والأسر مما لا ينفكّ عنه حال المسلم المُجاهد اليوم، وقد تحمّل الإعلاميّون نصيبهم من هذا الأمر، لكن الذي أعلنته الحكومة المجرمة الخائبة من تفكيك مؤسّسة الفرقان ووزارة الإعلام كان كذباً واضحاً لا تخطئه العين، وهؤلاء رغم طول فترة بقائهم في المنطقة الخضراء وكثرة المواقف المخزية التي وقعوا فيها بسبب الكذب لا زالوا لا يجيدون الكذب ولا يتحرّجون من ذلك، وهذا ديدن الرّافضة ودينهم..

ـ28 سؤال: تردنا العديد من المواضيع والتي تخص نشر إصدارات وعمليات توزع داخل الدولة ولا تنشر عبر الشبكة, فما السبب؟ هل الدولة أعزها الله تركز على الإعلام الداخلي أكثر من الخارجي؟ أم أن هناك استراتيجية معينة لتوزيع بعض المواد دون غيرها؟

ـ العمل الإعلامي في الدولة يقوم على توزيع الأدوار وتوجيه الرسالة الإعلامية لجميع الناس مسلمهم وكافرهم, داخل وخارج العراق.ومن حيث الهيكلية العامّة فإن إعلام الدّولة ينقسم لإعلام محلّي داخلي (في الولايات)، وإعلام دولي خارجي، وعلى كل قسم إخوة مرتّبون للاضطلاع بتنفيذ سياسة القسم وتحقيق أهدافه، وتلك ضرورة لا بدَّ منها لتنظيم العمل وتحقيق المقصود.. صحيح، هناك إصدارات موجّهة لتُخاطب العراقيين فقط، لكن هل هناك رجحان للإعلام المحلّي على حساب الإعلام الدولي؟... لا، لا نظن ذلك بل على العكس، يرى بعض الإخوة أننا مقصّرون تجاه أهلنا في العراق! فهم يستحقون أكثر بكثيرٍ جداً مما يُوجّه لهم من جهد.. كون مسلمي العراق هم رأس المال الحقيقي الذي أمدّ الجهاد طوال سنوات القتال بمدد البشر والمال، وارتوت من دماء أبنائهم شجرةُ الدولة الإسلامية، ولن يُلام الإعلاميّون لو وجّهوا معظم عملهم لإخواننا العراقيين هنا.. والله تعالى أعلم.

ـ29 سؤال: يدور تساؤل كبير عن الأولوية الشرعية والميدانية التي ارتأتها قيادة الدولة -حفظها الله- في استهداف كنيسة سيدة النجاة في بغداد، وتهديد نصارى الشرق بسبب حبس المسلمات في أديرة "الأقباط"، إذ يرى بعض الأنصار أن الأولوية كانت لتكون لتحرير عائلات المجاهدين العراقيين، فرغم الحرفية العالية في التنفيذ والصدمة الهائلة التي أصابت حكومة المالكي والثغرة الواسعة التي فتحتها العملية المذكورة لسلسلة السيارات المفخخة التي أسقطت أمن بغداد بالكامل، لكن البعض يرى أنه ثمة صعوبة في تبريرها إعلامياً على الأقل والآن يقال إن تفجير كنيسة الإسكندرية كان من تدبير وزير الداخلية المصري، فضلاً عن أن تهديد نصارى الشرق يثير التساؤل عن ولاية دولة العراق وهل تمتد إلى الشرق كله، وهل هناك تنسيق مع الجماعات الجهادية في بلاد الشام ومصر حتى لا تتعارض الاستراتيجيات؟.

 ـ نصارى العراق كغيرهم من الطّوائف المُشركة التي لا تنتسب للإسلام المنتشرة في هذه البلاد اليوم؛ باقون على حكمهم الأصلي، وهو أنّهم طوائف كفريّة مُحاربة؛ لانعدام العهد الذي يرفع عنهم هذه الصّفة الأصليّة، ومع ذلك فلم تكن من سياسة الأمور لدى قادة الجهاد منذ أيّام الشّيخ أبي مصعب -رحمه الله- التّعرّض لهذه الطّوائف أو ابتداء قتالها على وجه العموم لتخلّف المصلحة في ذلك، خاصّة مع وجود عدوٍّ صليبيٍّ صائل..
ومع إنّ النّصارى في العراق كانوا في مقدّمة الطوائف المُشركة التي ركبت موجة التّغيير بعد احتلال العراق ولم يتردّد كبراؤها في استغلال الوضع الجديد، فرفعوا معالم دينهم وصُلبانهم وحرصوا بكلّ إمكانياتهم على إعلان شعائرهم الشّركية في وسائل الإعلام، وزاد نشاطهم بصورة غير مسبوقة في ميدان التّنصير واستقبال منظّماته، وبناء المراكز والكنائس الضّخمة وتوسيع الموجود منها، وسعوا كعادتهم لنشر الخمّارات في شوارع المدن في جرأة على ما يعلمون يقيناً أنّه مُحرّمٌ في دين الإسلام ويستفزّ المسلمين في مدن إسلاميّة مصّرها أجدادهم، ومع ذلك فإنّ السّياق العام لعمل المجاهدين كان التّجاوز عن هؤلاء وتحييدهم، إلا فيما يمنعهم من تحويل العراق لقاعدة تنصيريّة كبرى في المنطقة كما أعلنت عن ذلك منظماتهم..
بل إنّ هذه السياسة جرت حتى على بعض فرق الرّافضة التي أظهرت مخالفتها للحكومة التي شكّلها الغزاة في بداية الاحتلال بالمنطقة الخضراء، وكان ذلك كلّه للتّركيز على المعركة الرّئيسيّة مع الصليبيين والحكومة المرتدة ومن ناصرهم وباشر في القتال ضدّ المسلمين، وقد صرّح مشايخنا بهذا الأمر في مناسباتٍ كثيرةٍ.
وهذا هو الأصل في سياسة المجاهدين مع هذه الطّوائف، وما سوى ذلك فاستثناء وضرورة تُقدّر بقدرها وبما يحقّق المصلحة التي يرجّحها القائمون على أمر الجهاد، وهم من أحرص النّاس في وضعهم هذا على عدم فتح جبهات جديدة تستهلك موارد المجاهدين وتُشغلهم عن عدوّهم الرئيسيّ..
فما للدّولة الإسلاميّة والطّائفة اليزيديّة مثلاً، التي لا يختلف مسلمانِ في شركها وحِرابتها وخُبث أتباعها وشدّة بُغضهم لدين الإسلام؟، ومع ذلك فالدّولة الإسلاميّة لم تستهدفهم رغم أنّهم كانوا في مدى سلطة الدّولة ونفوذ مجاهديها، وأرجأت أمرهم حتى حصل العدوان منهم بالحادثة الشّهيرة التي قُتلت فيها أختُنا المُسلمة بأبشع صورة، فكانت جريمةُ قتلها عُدواناً محضاً وإعلاناً سافراً بحرب الإسلام والاستهانة بالمسلمين الذين لم يبدؤوهم القتال، فكان من شأن هذه الطّائفة مع المجاهدين ما كان، بعد أن لم يستجيبوا لتسليم المُباشرين بتلك الجريمة البشعة والعدوان السّافر.
ونحن نتوقّع من عدوٍّ نُقاتله أن يصولَ على الأهل والمال, وهذه طبيعة الحروب التي نعرفها ونتهيّأ لها ونتحمّل تكاليفها، لكن أن تستغلّ هذه الطّوائف انشغال المسلمين عنهم ليفتنوا المسلمين ويتجرّؤوا على أعراضهم، فهذا ما لا يمكن تجاوزه وغضّ الطّرف عنه، وقد همّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلّم بإفناء طائفة من اليهود لمّا تعرّض أحدهم لمسلمة عفيفة بأقلّ ممّا يحصل اليوم للمسلمات، مع وجود العهد الموثّق بينهم وبين الدّولة الإسلاميّة في مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك الوقت، فحاصرهم وأجبرهم على النّزول على حكمه ثمّ أمر بهم فكتّفهم لولا أن شفع لهم ابن سلول ومنع قتلهم بقولته المشهورة: (أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة؟).. وحتى بعد أن أسقط عنهم القتل أخرجهم إلى الشّام ومات أغلبهم بعد ذلك.
والأمر ليس متعلّقاً بولاية جغرافيّة على منطقة أو مناطق معيّنة، إنّما متعلّقٌ بالقيام بما هو ممكن نُصرةً للأسير والضغط بكلّ السّبل لفكّ قيده، فالسّعي لفكّ الأسرى واجبٌ مفروضٌ على كلّ مسلمٍ مكلّف بما يُطيقه، وهذا ليست له علاقة بولاية دولة أو جماعة معيّنة على رقعة جغرافيّة أو طائفة من النّاس..
 وكان من أهم أهداف هذه العمليّة أن تردع هؤلاء وأشباههم عن أعمال مماثلة، ولن يكون ذلك إلا بإحياء القضيّة ونُصرتها بصورة تجعل ثمن مثل هذا العدوان ثقيلاً لا يمكن لمن تجرأ عليه أن يتحمّل وِزره أو تسوّل له نفسه المُعاودة، وقد تبجّح "شنودة" بأنّه لا يخشى ردّة فعل المسلمين لأنّهم سينسون مع الوقت..
سبحان الله؛ فهذا المُشرك النّجس غرّه في المسلمين ما يراه من ضعفهم وتخاذلهم عن نُصرة المُستضعفين، وحُقّ عليه وعلى من كان على شاكلته أن يعرفوا قدر أنفسهم وأنّ الوقت قد تغيّر، فلا أمان لمن لا يلتزم بأسباب الأمان مع المُسلمين..
وعمليّة الكنيسة المباركة لم تكن عمليّة ارتجاليّة بأي حال، فقد اُشبعت بحثاً ونقاشاً لتحقيق أكبر قدرٍ من المصلحة في نُصرة قضية أخواتنا، وكان الاختيار على أكثر فرق النّصارى حِرابة واندماجاً في مشروع الحلف الصّليبي والمشروع السّياسي للحكومة الرافضية، وأكثرها نفوذاً وارتباطاً بأوليائهم في الغرب لتحقيق المصلحة المُبتغاة من العمليّة، أما الكنيسة نفسها فكانت مركزاً معروفاً للتّنصير رُفع فوق بنايتها التي أنشئت قبل نصف قرن تقريباً أكبر صليبٍ وسط مدينة بغداد بمنطقة الكرّادة، وكان التّوجيه في العمليّة واضحاً بعدم التّعرض للأسرى؛ لأنّ الغاية لم تكن أبداً قتلهم على وجه العموم، ولو كانت تلك هي الغاية لما خرج منهم أحدٌ حيّاً إلا أن يشاء الله، فقد حمل الإخوة من السّلاح ما يكفي لإبادة أضعاف هؤلاء..
ولذلك حرص المنفّذون -رحمهم الله- على التفريق بين الموجودين وفصل النساء والعجزة، وحرصوا أيضاً على أن يقوم هؤلاء بتكثيف الاتصال بذويهم وبالمسؤولين من طائفتهم في البرلمان والحكومة ووسائل الإعلام لإيصال أصواتهم وما يطالب به المجاهدون، وقد رفعوا الأذان داخل الكنيسة وأقاموا صلاتَي المغرب والعِشاء، وأخبروا الموجودين أنّ هذه الكنيسة لا ينبغي لها أن تُبنى هنا لأنّ بغداد مدينة إسلاميّة بناها المسلمون، وأنّهم قاموا بهذا العمل نُصرةً لأخواتهم, وأنّهم نذروا أنفسهم وتبايعوا على الموت لأجل هذا الأمر..
وهذا كلّه بإشراف المسؤولين عن العمليّة الذين كانوا على اتّصال بالمُقتحمين طيلة فترة التّنفيذ، قبل أن تتدخّل قوات الحكومة والقوات الأمريكيّة، وكان واضحاً من البداية أنهم عزموا على اقتحام الكنيسة وعدم التّفاوض مع المجاهدين مهما كلّفهم ذلك بعد أن تجاهلوا طلباتهم وضربوا تعتيماً كاملاً على مجريات الأحداث، وهذا ما حصل فعلاً وكان هو السّبب في هذا العدد من القتلى والمُصابين، لأنّهم جعلوا من الكنيسة ساحة حربٍ لم يتردّدوا في استخدام ما لديهم من قوّة ناريّة مع أن الذي كان يواجههم خمسة مجاهدين فقط، وكان ذلك بعلم وتواطؤٍ كامل مع كبير الطائفة الكاردينال المعيّن في العراق من قبل الفاتيكان, وكذلك ممثّلهم النّصراني في البرلمان العراقي..
أمّا التعريض والقول بأنّ الأولويّة كانت لتحرير الأسرى في العراق.. فهذا في حقيقته من المزايدة المردودة، فالدّولة الإسلاميّة لم تتوقّف يوماً عن السّعي لفكّ الأسير بكلّ الوسائل الممكنة التي تيسّرت لها، ولطالما دعا قادتُها المسلمين لبذل المال وكلّ ما في الوسع لإطلاق سراح الأسرى وتذكيرهم بهذا الواجب العظيم وعواقب تجاهله وإهماله..
وقد نجح المجاهدون ولله الحمد في إطلاق سراح الكثيرين رغم قلّة ذات اليد والانشغال في مقارعة عدوٍّ فاجرٍ لم يرقب في المسلمين إلّا ولا ذمّة، ولم يتردّدوا في توجيه جزء كبير من العمل العسكري بهذا الاتّجاه، وهذا أمرٌ معروف ولا يُنكره إلا جاحدٌ أو جاهل، فمن العمليّات المعلنة المشهورة مثلاً محاولة اقتحام سجن أبي غريب أكثر من مرّة، والعملية الناجحة في اقتحام سجن بادوش وفكّ أسر من كان فيه، وكذلك سلسلة الغزوات المباركة التي امتدّت على مدى عامٍ كامل إحياءً لقضيّة الأسرى وتذكيراً للأمّة بهذه الفريضة المُضيّعة وقد سُمّيت بغزوات "الأسير"، وهناك عمليات لا تكاد تُحصى نجحنا فيها بإطلاق سراح الأسرى أو الضغط لتحسين أوضاعهم والتخفيف عنهم، ومنها عمليات استهدفت فكّ أسرى مسلمين خارج العراق، وبالطّبع فإنّ مثل هذه الأمور ليس من المصلحة الإعلان عنها، ومع ذلك فما يتسرّب منها للإعلام بين الفينة والأخرى جزءٌ من الصّورة.. فهل بعد ذلك من الإنصاف أن يُحاجَج المجاهدون بهذا الأمر إنْ هم اجتهدوا فيما منّ الله عليهم لنُصرة أسرى المسلمين في مصر أو غيرها؟

ـ30 سؤال: الكثيرون يحمّلون دولة العراق الإسلامية مسؤولية تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية, فهل الدولة فعلاً هي المسؤولة عن هذه العملية, وإن لم تكن الدولة فمن تتوقعون أن يكون المسؤول عنها؟

ـ الدّولة الإسلاميّة ليست مسؤولة عن التّفجير المذكور، وبغضّ النّظر عن الفاعل الحقيقي، فإنّ ما حصل متوقّع بل أقلّ ممّا كان متوقّعاً نتيجةً للأفعال الرّعناء لهذه الكنيسة المُحارِبة، التي لم تترك باباً للطّعن في دين الإسلام وإهانة كتابه وسبّ نبيّه وفتنة الدّاخلين فيه إلا ولجته واقتحمته، فالقائمون على تلك الكنيسة سفهاء ولم يقرؤوا التّأريخ جيداً أو إنهم لا يُجيدون فهمه، ولو استمرّوا على ما هم فيه من جرأة على الإسلام والطعن في رموزه والكيد لأتباعه وصدّ النّاس عن الدخول فيه، فسيجرّون على أنفسهم وأتباعهم المصائب..
ولا يسعُني في الختام إلا أن أشكر الجنود المجهولين على ثغر الإعلام الذين يسّروا لي هذا التّواصل مع إخوتي وأبنائي، وأسأل الله أن يختم بالصالحات أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعل خير أقوالنا وأعمالنا خواتيمها، وألاّ يجعلنا ممن يقولون ولا يفعلون..
وفي الوقت الذي كدتُ أنهي هذا الرّد سمعنا بوادرَ مبشّرة بتحرّك الشّعب المُسلم في بعض المُدن السّورية، نسأل الله أن يُنزل سكينته عليهم ويثبّتهم وينصُرهم على هذا النّظام النصيري البعثي المُجرم، الذي صعد على أكتاف المُسلمين باسم القوميّة العربيّة ومكّن لهذه الفرقة النّصيرية المُشركة من رقابهم..
فوالله ما ذاقه المسلمون على أيديهم في سوريا أضعافُ ما لاقاه إخوانهم في بلاد المُسلمين الأخرى، وهم أوْلى بالخروج من غيرهم وقد سارَ فيهم طاغوت دمشق سيرة فِرعَون –عليه لعائن الله- بل جاوزها، وهذا يوجِبُ على جميع المُسلمين نُصرة إخوانهم هناك كلٌّ بما يستطيع، خاصّة أنّنا نتوقّع أن يغضّ الإعلام سمعه وبصره عمّا سيجري عليهم من جرائم، فالعدوّ يعلم جيداً أنّ التّغيير في هذا البلد إن تحقّق ليُصابَنّ مشروع الرّافضة واليهود في سويداء القلب، نسأل الله أن يردّ كيد النّصيريّة ومن ناصرهم في نحورهم, ويجعل للمسلمين هناك مخرجاً يُعزّ فيه الإسلامُ وأهله ويُذلّ فيه الشّرك وحزبُه.. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.. والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أخوكم أبو عبيدة عبد الحكيم العراقي
عضو مجلس شورى دولة العراق الإسلاميّة


جمادى الأولى 1432هـ ـ 4-2011